من هو الروح القدس؟ لو تكلمنا كلامًا دقيقًا في اللاهوت لقلنا ان الروح القدس هو الروح المحيي، اي انه تلك القوة التي تسير في البدن فتبقيه في الوجود، وهو القوة التي تسير في الزهر والحيوان وتبقيها في الوجود. كل وجود حي هو من الروح القدس، وبالأخص عندما يأتي الانسان الى القداسة والى طهارة الإنجيل. عندما يصل الى طُهر المسيح والى تلبية الشريعة الإلهية يكون محرّكا من الروح القدس.
ولكي نفهم اكثر نعود الى كلام السيد في خطابه الوداعي لما قال للرسل: إنْ لم أَنطلق لا يأتيكم المعزّي، ولكن إن أنا انطلقتُ الى السماء فسأُرسل لكم الروح القدس المعزي الذي يرشدكم الى جميع الحق. ولهذا بعد ان كان الرسل خائفين ومترددين في العليّة التي كانوا فيها جالسين، هبط عليهم الروح بشكل ألسنة ناريّة، على رأس كل واحد منهم لسان نار لكي يلهبه بالمحبة ويجعله ناطقًا بكلمات الله بلا خوف ويُحوّله الى إنسان إلهيّ لا تُسيّره نزواته او شهواته ولكن الله يسيّره.
وقد عاشت الكنيسة بالقديسين والشهداء الذين قدّسهم الروح وجعلهم وكأنهم ليسوا من فئة البشر بل كائنات مستضاءة او مضيئة. وهذا يعني أن الذي عنده الروح فهو ملتهب بمحبة يسوع وقادر أن يعطي المحبة للآخرين.
معنى العنصرة لنا اليوم أنه اذا ما اشتعل اثنان او ثلاثة بضياء الله يكونون ضياء لهذا البلد، وإن اشتعل مئة بالنار الإلهية في العالم يكونون ضياء للعالم. نحن نعيش فقط بطهارة الطاهرين وسلوك الآباء الذين يتكلمون بكلمات الله.
هذا الروح نفسه يجعلنا لا نخاف على مصير الكنيسة في العالم، فالمخاطر كثيرة جيلا بعد جيل، ولكن الذين أُعطوا موهبة الروح القدس يطرحون الخوف جانبًا. لا يتساءلون: من يحمينا؟ من يدافع عنا؟ الروح الإلهي يُسمّى باليونانية “البراكليت”، وهي كلمة تعني الشفيع او بالعربية المحامي. الروح القدس هو المحامي وهو الذي يُغنينا عن كل شيء.
عندما نقيم الذبيحة الإلهية يحضر الرب في ما بيننا ليس لأننا نجتمع، وليس لأن الكلمات تُتلى. انها مجرد التماس، مجرد انتظار. ولكن الروح يأتي لأنه يريد ان يأتي، لأنه يحب، لأنه هو الذي يقذف الصلوات في نفوسنا. كلماتنا تبقى كلمات مقطوعة، يقذفها الروح الى نفوسنا فتحيا وتصبح قطرات من كلمات الله في نفوس حيّة. ولهذا كان روح الخلق، كان روح الإبداع في الكنيسة، وكان روح الخلق في العالم.
“اليوم… نحن الذين هبّت علينا النعمة البارزة من الله قد صرنا مضيئين ولامعين ومتغيّرين عارفين… اللاهوت المثلث الضياء المتساوي في القوة غير المنقسم” كما نرتل في صلاة السَحَر للعيد. فلننطلق إذن جماعة نورانية في قوة الروح المنسكب علينا ولنتقوَّ به ونتشدد.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)