الابن التائب – المطران جورج (خضر)
مَثَل الابن الشاطر يُقرّبنا من الصوم المبارك بالمشاعر التي ينبغي أن نتحلّى بها إذا أقدمنا على صوم حقيقي. ولد طائش أراد أن يبني حياةً لنفسه وأن يستقلّ عن البيت الأبوي. طلب الشاب ميراثه قبل الوقت. منحه أبوه هذا الميراث. ذهب وبدده في الخطيئة التي وُصفت في إنجيل اليوم. بادئ ذي بدء، يحسّ بأنه يجب أن يتحرر وألا يخضع لشريعة البيت.
ثم يذوق المرارة، مرارة الخطيئة. الخطيئة ساحرة للوهلة الأولى إذ يتصوّر الانسان قبل أن يقترفها جمالا. يتصوّر مثلا أنه سيُخلّص نفسه لو كذب، ثم يكذب أيضا وأيضا فيغرق. تدخُل اليه حسرةُ الخطيئة، مرارتها. الخطيئة إغراء ليس إلا، ولكن عندما تقبض عليها لا تجدها بين يديك. أنت تقبض على لا شيء، ولهذا لا بدّ لك أن تقتنع أن لك أبًا إلهيّا سماويّا يحتضنك. وإذا عدتَ فأنت ابن البيت، وأنت صاحبه، وأنت محبوب، وأنت مرحّب بك.
يعود الابن، ووالده ينتظره من بعيد. الله دائما ينتظر. إلهنا ليس بإله منتقم. انه يتحسّر على الخاطئ. يفتح صدره وذراعيه ويحتضن كل ابن ضال يعود. ونحن إن عُدنا فإننا نعود إلى الرشد وإلى الصواب وإلى الحقيقة وإلى النور وإلى ما يعزّي النفس. نحن لا نخسر في العودة ولكننا نربح انتباه الآب وغفران الآب وصداقة القدّيسين ومحبة الأبرار.
وكان الفرح عندما عاد الابن الذي شطر مال أبيه. فلنذبح له العجل المسمّن. هاتوا خاتما وضعوه في يده ولنشرب ونفرح. كلّ من فكّر بالعودة إلى الله إنما يجد دائما أفضل مما كان له في الخطيئة. هذه هي خبرة العائدين. العائد يجد الفرح، والخاطئ لا يفرح ولكنه يتمرمر.
ثم كان الابن الذي لم يضلّ. أَخَذَه الحسد لأن الضالّ استُقبل استقبالا طيبا -كثيرا ما يحدث هذا في ما بيننا-. لو نظرتم إلى أخلاقنا لرأيتم انها أخلاق قاسية. نحن لسنا شعبا حنونا. هذا هو الواقع. نحن نعرف الجرم كما تعرفه كل الشعوب، ولكني أتمنى ان نكون مسيحيين حسب الإنجيل، لطفاء بعضنا ببعض، غفورين اذا عاد إنسان.
اذا عاد سارق كبير إلى بيته، فهل تستقبله عائلته؟ وهل تزورونه كما كنتم تزورونه قبلا، أَم تقولون انا طاهر ولا أريد أن أتصل بهذا الانسان؟ ان كنا مسيحيين فشريعتنا شريعة الغفران واللطف الدائم بالخاطئين. نستقبلهم، ننبّههم ونَلفت في كل حين. لا تتعجبوا اذا شذّ بنوكم وبناتكم اذا أنتم شذذتم. الأب الكاذب أو الأم الكاذبة يُعلّمان بنيهما الكذب، والضارب والشتّام والنمّام يُعلّم أولاده كل هذه الأشياء.
نحن لم ندخل بعدُ باب المسيحية، لا نزال على العتبة. ادخلوا فرح ربكم واجعلوا المسيح في قلوبكم. فلنليّن القلب تجاه الناس أجمعين، ولا نقطع العلاقة بيننا وبين إنسان. ليكن الحوار سائرا بيننا وبين كل الناس. فلنُكلّمهم، ولنصفح ونقبل العائدين إلى بيوتنا حتى نكون أبناء الآب.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
نشرة رعيتي
08 شباط 2015