خبر القدّيس مستمَدّ من بستان الرّهبان. في الرّاوية أنّ سبعة إخوة في الجسد وفي الرّوح عاشوا بروح الحبّ وكانوا مثالاً لحياة الشِّركة، هؤلاء هم البارّ أيوب أو أنوب والبار بيمن وإخوتهما. قيل إنّه لمّا هاجم البربر الإسقيط وأعاثوا فيه فسادًا، انتقل هؤلاء الإخوة معًا إلى موضع آخر يُدعى “إيرين” وأقاموا معًا في معبد للأوثان. وإذ أراد الأخ الأكبر، الذي هو أيّوب، أن يعطي إخوته درسًا مفيدًا في مطلع حياتهم الرّهبانيّة معًا هناك، قال لأخيه بيمين أمام بقيّة إخوته: “لنصمت جميعًا، كلّ من ناحيته، ولا يكلّم أحدنا الآخر لمدّة أسبوع”. فأجابه بيمين: “لنصنع كما أمرت”، وفعل الكلّ كذلك. وكان في ذلك الموضع صنَم حجريّ فكان أيّوب يقوم في الصباح ويردم وجه الصنم بالتراب وفي المساء يقول للصنم: “إغفر لي!” استمرّ على هذه الوتيرة طيلة الأسبوع. فلمّا انقضى الوقت قال بيمين لأيوب: “لقد رأيتك يا أخي خلال هذا الأسبوع تقوم في الصباح وتردم وجه الصنم بالتراب وفي المساء تقول له: إغفر لي!، أهكذا يفعل الرهبان؟”
أجاب أيوب: “لمّا رأيتموني أردم وجهه، هل غضب؟”
قال: “لا”.
فقال: “ولمّا تبت إليه هل قال: “لا أغفر لك؟”
قال: “لا”.
فقال أيوب لإخوته: “ها نحن سبعة أخوّة. إن أردتم أن نسكن معًا فلنصِر مثل هذا الصنم الذي لا يبالي بمجد أو هوان. وإن لم تؤثِروا أن تكونوا هكذا فها أربع طرق أمامكم، ليذهب كلّ واحد حيثما يشاء”.
فاجابه إخوته: “نحن لله ولك، ونحن مطيعون لما تشاء”.
وإذ اختاروا أحدهم للاهتمام بالمائدة، كانوا يأكلون ممّا يقدّمه لهم دونما اعتراض. إلى ذلك كان متى جاء أحد إلى بيمين طالبًا مشورته يرسله إلى أخيه أيّوب قائلاً له: “هذا أكبر منّي”. وإن جاء أحد إلى أيّوب كان يرسله إلى أخيه بيمين قائلاً له: “هو أحكم منّي وقد وُهِبَ هذه النعمة”. هكذا سلَكَ الاثنان بروح الاتّضاع يقدّم كلّ منهما الآخر على نفسه. كذلك اعتاد أيّوب أن يقول: “منذ أن حلّ عليّ اسم المسيح لم تخرج قط من فمي كلمة بطّالة”. وقيل عاش الإخوة لا يقبلون عطيّة من أحد بل يعملون بأيديهم ليعيشوا من تعبهم، مهتمّين بالعطاء أكثر من الأخذ. وقد ورد في شأنهم أنّ تاجرًا رغب في تقديم عطيّة لهم محبّة ببيمين وإخوته، لكنّهم رفضوا عطيّته. وفي إحدى المرّات جمعوا عمَل أيديهم وأرسلوه للبيع فلم يشترِه أحد. فأسرع أحد العارفين وأخبر التاجر فأحضر التاجر جمَلاً وتظاهر أنّه محتاج إلى عمل أيديهم ليقدّم لهم الثمن. وما أن أخذ التاجر أعمالهم اليدويّة ورحل حتّى جاء من قال لهم إنّ التاجر أخذ هذه الأشياء ولا حاجة له إليها. فلمّا سمع بيمين بذلك قال لأيّوب: “لنسرع ونحضر الجمل وإلاّ فلن أبقى في هذا الموضع”. وبالفعل أسرعوا إلى التاجر وبصعوبة قبِل التاجر أن يعود بجمله ويستردّ ماله. وإذ رأى بيمين الجمَل فرح جدًّا كمَن وجد كنزًا عظيمًا.