نحن لا نعرف هويّة للحركة غير الحياة في المسيح، ولا نعرف نظامًا لها غير الإنجيل مترجمًا حياة. نرجو المحبة قانونًا والأخوّة والتبشير همًّا. هذا ما يصل بالحركة لتكون تيارًا مواهبيًّا يحرّكه الرّوح القدس، ووطنه الأول والحقيقي كنيسة المسيح…
في الرّعاية
تعي الحركة أنّ الكنيسة هي، قبل كلّ شيء، حقل رعاية، فيها تتمّ قيادة الرعيّة إلى حظيرة المسيح وإلى أن تكون الكلمة الإلهيّة قانون حياتها وحصنها. فيدرك الكلّ أنّ المسيح هو فيما بينهم كجماعة وليس فقط كأفراد، وأنّ وحدتهم قائمة على محبّة تجمعهم بالله وبعضهم ببعض. انطلاقًا من هذا، ترى الحركة أنّ مفهوم السلطة في الكنيسة قائم على المحبّة والخدمة ورعاية الأبناء بالاحترام الكامل للمواهب التي وهبهم إيّاها الروح. إنّها سلطة في الكنيسة وليس على الكنيسة، ولذلك تُقابَل بطاعة واحترام يرتكزان أيضًا على المحبّة.
من هنا يبرز أحد ثوابت الفكر الحركيّ وهو أنّ كلّ عضو في الكنيسة مسؤول ويمكنه أن يخدم بقدر ما أُعطيَ من مواهب. ولذلك ترى الحركة في مجالس الرعايا أحد أهم أطر الخدمة، فالانخراط فيها يُشعر كلّ أعضاء الكنيسة أنّهم يساهمون في العمل تفعيلًا لعضويّتهم في الجسد الواحد، لتستفيد الجماعة من كلّ المواهب التي لدى أفرادها.
في الكهنوت
تشدّد الحركة على أن الكاهن أساس في نهضة الكنيسة. يخرج من صفوف جماعة تدرس وتقرأ وتطّلع وتسأل، فيتجنّد للكهنوت بعد خبرة عاشها واكتسبها في الجماعة التي تلحظ موهبته. هو يبشّر بالكلمة ويكرز بها لينقل الله – المحبّة إلى الناس. علاقة الكاهن بالجماعة هي علاقة تكامل، فهما يتقدّسان سويًّا في صيرورة دائمة. يعلّم رعيّته ويتعلّم منها وفيها. يحييها بالمسيح الذي ينقله إليها ويحيا من المسيح الذي يلتقطه فيها ويقرأه على أكثر من وجه.
محوريّة دور الكاهن في الرؤية الحركيّة أثمرت اهتمامًا خاصًّا بمعهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ القائم في البلمند منذ العام 1970، وتطلّعًا إلى أن يكون المعهد شاهدًا للأرثوذكسيّة في هذه الدّيار وفي محيطها العربيّ باللّسان العربي، ورافدًا للكنيسة الأنطاكيّة برعاة وخدّام يخدمونها بالمعرفة والتقوى.
في التربية
تهتمّ الحركة بالتربية لأنّها تهتمّ بالإنسان في أبعاده كلّها. فإضافةً إلى المعرفة العلميّة، ترى الحركة في التربية تنشئة للشخص في الجماعة جسد المسيح، أي أنّها توجده وتنمّيه في آنٍ معًا. فالجماعة، جسد المسيح، هي إطار التنشئة، والأشخاص، بتفاعلهم بعضهم مع بعض، يقيمون هذه الجماعة متناغمةً، متكاملةً، طائعةً لإرادة العريس يسوع المسيح.
تؤمن الحركة بأن الشباب يجب أن يساهم في تثقيف نفسه. هو فاعلٌ في التربية لا منفعل لكونه ليس بمادة يكيّفها المربّي تكييفًا. المربّي يساعد الفتى على اكتشاف نفسه واقتحام صعوبات المعرفة فينمو بفعلٍ من ذاته.
في المؤسّسات الكنسيّة
ترى الحركة في المؤسّسة الكنسيّة إطارًا للشهادة عبر الخدمة. وأنّ هذه الشهادة تستقيم إذا ما ارتكزت بشكلٍ خاصّ إلى خدمة الفقراء والمحتاجين سواء كانوا من أبناء الكنيسة أو لا. إنّ اكتساب المؤسّسة الكنسيّة هذه الهويّة لا ينفي عنها دورها بالمساهمة في تطوير المجتمع عبر سعيها المرجوّ إلى التميّز بإنتاجيّة عالية، ودقّة علميّة، وتربية انفتاحيّة، وفرادة في العلاقات والتعاضد بين مختلف العاملين في رحابها.
في المال في الكنيسة
المال، بحدّ ذاته، لا يشكّل مشكلة. ما يجعله قضيّة تمسّ حياتنا في المسيح هو الموقف منه والرؤية إليه وكيفيّة التعاطي معه. المال هو لخدمة الإنسان في حياته ليس إلاّ. ومن لا يترفّع عن المال وعن التملّك لا يمكنه أن يكون من جديد عشير الله وعشير الله وحده. فلو احتفظ كلّ واحد بما يسدّ حاجاته الاعتياديّة فقط وتخلّى عمّا يفيض عنه للمعوزين، لما بقي في الأرض غِنىً وفقر. خاصّة وأنّ الإنسان لا يستمدّ قيمته ممّا يملك ولكن من إنسانيّته المُفْتَداة بدم الحمل، والمدعوّة إلى التألّه.
“الكنيسة ككلّ، والحركة من ضمنها، معنيّة مباشرة بإشكاليّة المال ليس فقط كملهمة للمؤمنين، بل أيضًا وخصوصًا كمثل يُحتَذَى في موضوع اختبار مقولة بولس الرسول لنا “نملك وكأنّنا لا نملك”. هذا ما يُوجِب أن تكون الممتلكات في الكنيسة، إن وُجِدَت، لخدمة الفقراء.
في التزام شؤون الأرض
إيماننا أنّ السماء والأرض قد تلاحمتا في التجسّد. فالسماء لا تلهي عن الأرض ومن يعمل لسمائه إنّما يعمل للأرض، إذ لا فرق بين آتية وحاضرة. الملكوت من هنا يبدأ، يأتي إذا ما ملأ الرغد والهناء الأرض وعمّها الفرح والحبور. من هنا تنطلق رؤيتنا القائلة بأنّ الهاجس الاجتماعيّ عنصر أساسيّ من عناصر الحياة الروحيّة، حتّى أنّ الحياة الروحيّة لا تقوم بدونه. ليس هو، في المنظار المسيحيّ، أمرًا مستقلًا إنّما هو بعدٌ لكيان يتجاوزه لكنّه لا يقوم بدونه. وترجمةً لذلك نرى أن المحبّة المسيحيّة تلزمنا بالعمل على تغيير البُنى الاجتماعيّة التي تكرّس الظّلم كي لا يظلّ في المجتمع ظالم ومظلوم إلى أيّ دين أو فئة أو طائفة انتميا. فرجاؤنا الدائم، على هذا الصعيد، أن تكون الكنيسة ضمير العالم بأسره، لأنّ يديّ المصلوب مفتوحتان للكّل لا لفئة ارتاحت لتذاكر هويّاتها عتبة للملكوت.
في العمل المسكونيّ
تهتمّ الحركة بالعمل المسكونيّ لأنّها تعي أهميّة ارتباطها مع هيئات أخرى تشكّل وإيّاها مجالًا لشهادة أوسع. هذه الخبرة تفسح المجال أمام المعرفة كي تتوسّع وأمام المحبّة كي تنمو. فالمحبّة، المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالحقيقة، هي أساس العمل الوحدويّ.
ترى الحركة أن تنمية المحبّة والاحترام المتبادلَين، وتفعيل العمل المشترك بين أبناء الكنائس الشرقيّة يسمحان للعاملين معًا بأن يكتشفوا أنّهم إخوة في المسيح، وبأن يفعّلوا أخوّتهم من خلال خدمة وشهادة واحدة على رجاء اشتراكهم يومًا في الخبز الواحد والكأس الواحدة.
تهتمّ الحركة، من ناحية أخرى، وانطلاقًا من قناعتها برسالتها الإنسانيّة المطلوبة منها حيث هي موجودة، وبضرورة مدّ الجسور بين الإنسان وأخيه الإنسان أيًّا كان إيمانهما، بموضوع الحوار المرتكز على احترام الآخر والتفتيش الدائم عن القواسم وأطر الشهادة المشتركة مع مسلمي هذه الديار الذين نحيا معهم في رحاب المشرق العربي.
__________