تعبَ الشرق ُ من الظلم، حتى بات جسدُه المُنهَك عاجزًا عن الحلم. كيف لأرضٍ أنجبت الأنبياء والعلماء والشعراء أن تتحوّل إلى مقبرة للفكر والبشر؟ كيف لأرضٍ كانت مهد الحضارات أن تغدو مسرحًا للخراب والتهميش؟
هنا، حيث خرجت الأديان تنادي بالمحبّة، صار الدم لغةً يوميّة، والظلمُ دستورًا لا يُكسر. هنا، حيث أُشعلت أوّل منارة للعلم، أُطفِئت العقول، وسُرقت الكتب، وحُوصرت الحقيقة خلفَ قضبان الجهل.
لكن، كيف ننادي بأنّ الأديان خرجت من الشرق، وهي التي بشّرت بالعدل والسلام، ثم نرى الإنسان فيه يعيش بلا كرامة، بلا أمل، وكأنّ الحياة فيه لعنة وليست نعمة؟
من يسرق منّا الحلم؟ أهو التاريخ الذي خانه أبناؤه، أم الحاضر الذي تنكّر لماضيه؟ من يسرق منا العلم؟ أهو الاستبداد الذي يخشى النور، أم اليأس الذي سُقيت به الأجيال حتى حسبَتْه ماءَ الحياة؟
إلى متى سنبقى هكذا؟ إلى متى سننام على وجع ونصحو على خيبة؟ هل كُتب علينا أن نكون أبناء حضارة ماتت، أم نحن مَن قتلناها بأيدينا؟
من يعزّينا؟ من يحصي دموعنا؟ من يحوّل الرماد إلى رجاء؟ من يصنع من أنين الأرض سلامًا لا يُنزع؟
لكنّ هذا الشرق، رغم كلّ شيء، لم يمت، ولن يموت، لأنّ “النور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تُدركه” (يوحنا 1:5). لأنّ في قلب كل إنسانٍ يحلم بالحرّية، يهمس الروح: “حيث روح الربّ، هناك حرّية” (2كورنثوس 3:17). في كل فكرةٍ تولد رغم القمع، ينبض وعد الحياة: “إن سكت هؤلاء، فالحجارة تنطق” (لوقا 19:40). وفي كل كلمة تُكتب بصدق، يُسَطَّر الرجاء الذي “لا يُخزي” (رومية 5:5). لا يزال يكمن فيه أمل، كجمرةٍ تحت الرماد، “قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخّنة لا يطفئ” (متى 12:20).
إنّها تنتظر فقط نسمةً من روح الحقّ، كي تشتعل من جديد، وتشعل هذا الشرق نورًا لا يُطفأ.
بقلم الأب رامي ونّوس