مجمع أنطاكيّ أرثوذكسيّ‫:‬ ضرورة لازمة

الأب جورج مسّوح Friday December 31, 2004 162

الأب جورج مسّوح

 

خلال الستّة أشهر الفائتة انعقد، على الصعيد الكنسيّ، في جملة ما انعقد، لقاءان، في رحاب معهد القدّيس يوحنّا الدمشقيّ، برعاية صاحب الغبطة البطريرك الأنطاكيّ إغناطيوس الرابع (هزيم) وحضوره، هما لقاء خرّيجي المعهد اللاهوتيّ في البلمند حول موضوع «الراعي والرعيّة في الكنيسة الأنطاكيّة اليوم»؛ أمّا اللقاء الثاني فحوار مفتوح مع شابّات حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة وشبابها.

الانطباع الممتاز، الذي خرج به المشاركون في كلا اللقاءين، كان منتظرًا، وبخاصّة أنّهما تناولا قضايا حياتيّة وتطبيقيّة تمسّ مباشرة هواجس الرعاة والشباب، في آن معًا، من أجل خدمة فضلى تساهم في بنيان الكنيسة وتوضيح شهادتها على عتبة الألفيّة الثالثة لتجسّد المسيح. هذا الانطباع يتأتّى أيضًا من أهمّيّة الحوار والتعرّف إلى الكنوز التي يحملها كلّ من أعضاء الكنيسة، والتي لا تنكشف إلى الملأ إلاّ بتفجير كلّ المواهب التي حازها حاملو الروح القدس بعد ولادتهم الثانية من جرن المعموديّة.

والأولى بالذين يؤمنون بالحوار والتواصل أن يفعّلوا ما يؤمنون به مع الأخوة المنتمين إلى الكنيسة الواحدة، قبل أن يمتدّوا، بمحبّة هؤلاء الأخوة ومواكبتهم، إلى الحوار مع المختلف دينيًّا أو كنسيًّا. فالحوار حافز للتفكّر، سويةً وبسويّة، في المسائل التي تعترض بشارة الكنيسة، أو التي تشكّل تحدّيًا لها، فلا تكون الشهادة فرديّة أو ذاتيّة أو أحاديّة، بل جماعيّة واحدة لا تتضارب ولا تتناقض في الجوهر ولا في الأساسيّات، ولو تقاطعت في الأمور العارضة أو الحادثة.

من ناحية أخرى، عقد الموارنة مجمعًا بطريركيًّا ضمّ بالإضافة إلى بطريركهم أساقفة وكهنة ورهبانًا وعلمانيّين، شبابًا وكهولاً وشيوخًا من الجنسين. وقد نوقشت فيه الكثير من أوراق العمل التي تعالج المسائل الحسّاسة التي تعترض أبناء كنيستهم، وذلك في ميادين عدّة، منها: الكنيسة (التكريس، الليتورجيا، الرعاية، دور العلمانيّين)، والعمل الاجتماعيّ، والتعليم، والقضايا الوطنيّة، ومشاكل الشباب والهجرة. والهدف من ذلك كلّه تفعيل الحضور المارونيّ وشهادته في الوطن والمهاجر. وبصرف النظر عمّا آل إليه المجمع البطريركيّ المارونيّ، فالمهمّ أنّه انعقد والتقى الأخوة في الإيمان، وتباحثوا معًا مشاكلهم وقضاياهم، واستمعوا بعضهم إلى بعض، وبكلمة، انتفع الجميع من تبادل الآراء والكلام.

طبعًا، ينقصنا نحن، في كنيستنا الأنطاكيّة الأرثوذكسيّة، لقاء كهذا يجتمع فيه كلّ أبناء الكنيسة من مختلف الفئات الوظيفيّة، يتطارحون خلاله القضايا الكثيرة التي تواجه مجتمعنا الكنسيّ بإطاره الواسع. فلا يمكن تحديد المجتمع الكنسيّ بالقضايا التي تمسّ اللاهوت أو الليتورجيا فحسب، بل هو يشمل الإنسان الذي يعيش على الأرض المسمّاة على اسمها الكنيسة. وإذا لم يكن ممكنًا، في القريب العاجل، عقد مجمع أنطاكيّ أرثوذكسيّ، فلماذا لا تنعقد مؤتمرات على مستوى الأبرشيّات، والتي لها جدواها أيضًا، لشدّ أواصر القربى الروحيّة والمادّيّة بين أبناء الرعايا المنضوية تحت لواء الأبرشيّة الواحدة؟

والقضايا التي تتطلّب تضافر جهودنا كثيرة، وهي تمسّ صميم شهادتنا المسيحيّة في عالمنا المحيط. والعناوين التي سقناها، في حديثنا عن المجمع المارونيّ، هي ذاتها مثار تساؤلات في كنيستنا، وليست الأمور كلّها مبتوتة، وليس عندنا لها أجوبة شافية ووافية. لذلك، تبرز أهمّيّة اللقاء الجدّيّ والفاعل والمؤثّر لبناء غد كنسيّ نسلّمه للأجيال المقبلة، فيكون اللقاء، بحقّ، علامة من علامات الأزمنة.

نسوق هذا الكلام، المتضمّن سؤالاً، لمعرفتنا الوثيقة بأنّ صاحب الغبطة البطريرك إغناطيوس رجل حوار وتواصل، وصاحب مبادرات كبرى، وإذا نوى أقدم. وكنيستنا ثريّة بذوي المواهب المختلفة، وفيها الكثير من المختصّين والخبراء بكلّ الحقول العلميّة والمعرفيّة، فلنستثمر – ولا نبدّد – هذه الطاقات كلّها في ورشة عمل تدوم إلى سنين، لما فيه خير الكنيسة والمؤمنين.

 

مجلة النور، العدد التاسع 2004، ص 450-451

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share