القداسة راهنا

الأب جورج مسوح Sunday July 31, 2005 183

الأب جورج مسوح

 

عبر عيد القدّيس يوسُف الدمشقيّ في العاشر من تمّوز، من دون أن يشعر العديد من المؤمنين في كنيستنا الأنطاكيّة بأنّ ثمّة عيدًا لقدّيس أُعلنت قداسته ليس من زمن بعيد. مع ضرورة الأخذ بالعلم بأنّ العيد المذكور، هذه السنة ٢٠٠٥، وقع نهار الأحد، يوم اجتماع المؤمنين الشكريّ. ذلك بأنّ العيد، لو وقع في منتصف الأسبوع، لكان جهل المؤمنين بالعيد أفظع وأفضح.

القدّيس يوسُف الدمشقيّ شهيدٌ انضمّ إلى شفعاء الكنيسة إبّان الحوادث الطائفيّة التي عمّت سورية ولبنان العام ١٨٦٠. هو «شهيد» حقيقيّ، في كلّ ما يحمله لفظ «شهيد» من معانٍ ومضامين سامية. وقد بتنا في زمن يلزمنا فيه إعادة المعنى إلى بعض التعابير، ومنها تعبير «الشهادة»، التي أضحت مبتذلة لكثرة استعمالها حيث لا ينبغي.

لكن ما تفرضه مناسبة هذا العيد يكمن في التساؤل حول جدوى إعلان القدّيسين الجدد، إنْ لم يرافقها إعلان وإعلام مستمرّين، عبر منشورات وندوات واحتفالات تُسرد فيها سيرة القدّيس، ومعنى القداسة في عالم اليوم، وكيف نبلغ إليها في خضمّ ما يجري حولنا؟ ثمّ كيف يمكن تأوين سيرة القدّيس الجديد كي يكون لنا قدوة، وبخاصّة أنّنا خرجنا من حروب أهليّة ضروس، ونحن موعودون بحروب طائفيّة أخرى؟ عسى أن يكون هذا الوعد خاسئًا.

نحن نعلم، أيضًا، أنّ الكنيسة تعلن قداسة أحد أبنائها الأبرار بعد أن يكون المؤمنون قد قطعوا شوطًا في التعرّف إليه، وتكريمه، والحجّ إلى مقامه، وطلب شفاعته. من هنا، يأتي إعلان القداسة تتويجًا لمسيرة طويلة يسلكها المؤمنون لملاقاة هذا القدّيس الجديد. لا ندري إنْ كان تمّ الإعداد لهذه المسيرة في مرحلة ما قبل الإعلان، لكنّ المؤكّد أنّنا في حاجة، اليوم، إلى إعادة التعريف بقدّيسينا الجدد. ولنا في كتاب «القدّيسون المنسيّون في التراث الأنطاكيّ» (١٩٩٥) للأرشمندريت توما (بيطار)، خير هادٍ.

يبقى أن نشير إلى أمر بديهيّ، ربّما يغيب عن بالنا، وهو أنّ القدّيس ليس في حاجة إلى إعلان قداسته في العالم، لأنّ الربّ وحده هو الذي يضع إكليل الظفر على رؤوس القدّيسين ويدعوهم إلى الدخول في مُلكه الأبديّ. بل المؤمنون هم الذين في أمسّ الحاجة إلى قدّيسين قريبين منهم تاريخيًّا ووطنيًّا وثقافيًّا وحضاريًّا، وذلك من أجل أن يدركوا أنّ القداسة ما زالت حاضرة في عالمنا كما كانت في القديم، وأنّها مفتوحة لكلّ شعوب الأرض وأممها، وأنّها تنطق بكلّ لغات العالم. ولكن أيضًا من أجل أن يعي المؤمنون أنّهم كسابقيهم مدعوون إلى أن يكونوا قدّيسين.

باب القداسة لم يُقفل، ولن يُقفل، لأنّ نعمة اللَّه لن تكفّ عن اقتحام القلوب والسكن فيها.

 

 

مجلة النور، العدد السادس 2005، ص 293

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share