الفصح والسلطة

الأب جورج مسّوح Sunday April 30, 2006 111

منذ ما يقلّ بنزر يسير عن ألفي عام يحتفل المسيحيّون بـ«العيد الكبير»، عيد الفصح المجيد. والفصح، لغةً، هو العبور، وأصله العبور من أرض العبوديّة إلى أرض الميعاد، العبور من الاسترقاق إلى الحرّيّة. هذا الفصح جعله الربّ يسوع المسيح، بقيامته من بين الأموات، عبورًا من الموت إلى الحياة، الحياة الجديدة التي لا سلطان للموت عليها.

في الفصح الأوّل قاد موسى النبيّ، بطل العبور، الناس من الاستسلام للخطيئة إلى عبادة الإله الحقّ. فكاتب الرسالة إلى العبرانيّين يقول عنه إنّه «عندما كبر أبى أن يدعى ابنًا لابنة فرعون، مختارًا الشقاء مع شعب اللَّه على التمتّع الوقتيّ بالخطيئة» (١١: ٢٤- ٢٥). لم يكن في وسع موسى أن يقود شعب اللَّه في عبوره من مصر إلى فلسطين لو لم يتخلَّ هو نفسه عن مغريات السلطة الفرعونيّة، وما أدراك ما الفرعون، ويعبر عبوره الأساسيّ إلى حيث المعذَّبين والمستضعفين في الأرض.

في الفصح الثاني، بلغ التخلّي أقصاه مع تنازل ابن اللَّه واتّخاذه صورة عبد صائرًا على مثال البشر. فالمسيح لم يعدّ مساواته للَّه حائلاً دون عبوره إلى البشر والسكنى في ما بينهم. هو تخلّى طوعًا عن سلطته الإلهيّة، واختار أن يولد في مذود للبهائم، وأن يعطش ويجوع، وأن يُجلد بالسياط، ويُبصَق عليه، ويُصلب بين لصَّين. ولم يكن للقيامة من بين الأموات أن تتحقّق لو لم يرضَ الإله المتأنّس بأن ينزل إلى الجحيم، إلى مثوى الأموات، كي يعبر بهم من الموت إلى الحياة.

لا فصح من دون زهد بمغريات الدنيا وسلطانها الغاوي. وحياة الربّ يسوع المرويّة في الأناجيل تؤكّد، في مطارح عدّة، طابع الزهد بالسلطة في تمظهراتها كافّة. وإذ لنا في السيّد المسيح القدوة والمثال، فسلطتنا تتأسّس على الخدمة وغسل الأرجل والتواضع، لا على الاستعباد والاستعلاء والاستكبار.

لا فصح لنا إنْ اكتفينا فيه بالثمالة من جمال الصلوات الفصحيّة والتراتيل وبالانتشاء من روعة الألحان. لا فصح لنا إنْ لم نتخلَّ عمّا يمكن أن نعتبره عزّة النفس والكرامة وما شابه من هذه التعابير. عزّتنا وكرامتنا وفخرنا ومجدنا هو الصليب الذي لا بدّ من العبور به كي نصل إلى القيامة، فنكون مشاركي يسوع في قيامته إلى الحياة الأبديّة.

لا فصح لنا إنْ ظللنا نعتبر المسؤوليّة المقامون عليها، بسبب من موهبة رأتها الكنيسة فينا، وبصرف النظر عن كونها أصابت في اختيارها أو لم تُصب، سلطةً مطلقةً بلا قيود ولا حدود. لقد تجرّد الربّ يسوع من سلطانه الإلهيّ ولبس التراب البشريّ، وبعض المسؤولين في الكنيسة زيّنوا لأنفسهم أنّهم اكتسبوا سلطةً إلهيّة لا تُناقش ولا تُحاسب ولا تُنتقد لمجرّد تبوّئهم مراكزهم التي هي للخدمة، لا للتسلّط. هؤلاء يؤمنون إيمانًا راسخًا بأنّهم منزّهون، وبأنّ الخطأ لا يمكن أن يقترب إليهم وإلى ما يقولون ويفعلون.

ليس هكذا تتحقّق المقولة الآبائيّة: «صار الإله إنسانًا ليصير الإنسان إلهًا». يصير الإنسان إلهًا – بالنعمة لا بالجوهر – عندما يصير إنسانًا تامًّا يشبه الربّ يسوع في كلّ شيء.

ينبغي لنا ألاّ ننسى أنّنا – مهما سمت مواقعنا – وكلاء ذاك الذي عُلّق على الصليب، مجرّد وكلاء أوكلت إلينا خدمة الجماعة، لا الارتفاع عليها. الارتفاع على الصليب وحده يؤدّي إلى القيامة.

إنْ شئنا أن نعيّد الفصح، فلنعبر من عبادة ذواتنا إلى عبادة مَن تليق به وحده العبادة.

 

 

مجلة النور، العدد الثالث 2006، ص 130-131

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share