“الأديان، نظرات متبادلة” كتاب الاعتراف بالآخر

الأب جورج مسوح Sunday February 17, 2008 215

“الأديان، نظرات متبادلة” عنوان الكتاب الجديد الذي أصدره الفريق العربيّ للحوار الإسلاميّ المسيحيّ (توزيع تعاونيّة النور الأرثوذكسيّة للنشر والتوزيع)، يضمّ سلسلة أبحاث ومقالات عن النظرة الدينيّة إلى الآخر المختلف في كلّ من الإسلام والمسيحيّة في طوائفهما ومذاهبهما. ويأتي الكتاب ثمرة ندوة عقدها الفريق، وتحدّث فيها مختصّون بالعلاقات المسيحيّة الإسلاميّة في محاور عدّة نظريّة وعمليّة.

الفريق العربيّ للحوار الإسلاميّ المسيحيّ الذي يضمّ شخصيّات عربيّة، إسلاميّة ومسيحيّة، من مفكّرين وعلماء دين وعاملين في الحقل العامّ، من لبنان وسوريا ومصر والأردن وفلسطين والسودان والإمارات العربيّة المتّحدة، تأسّس في العام 1995. وقام الفريق بتنظيم سلسلة من النشاطات الفكريّة والندوات التي تناولت بالبحث مواضيع راهنة كالمواطنة، والتشدّد الدينيّ، واستغلال العامل الدينيّ في السياسة… وأصدر وثيقة هامّة عنوانها “الحوار والعيش الواحد، نحو ميثاق عربيّ إسلاميّ-مسيحيّ”، ترسم سياقات التعاون في الميادين الإعلاميّة والتربويّة والثقافيّة والاجتماعيّة.

ما يلفت في تكوين هذا الفريق أنّه الأوّل من نوعه في العالم العربيّ، وأنّ الحوار الإسلاميّ المسيحيّ ليس مقتصرًا على لبنان وحسب، وأنّ “العيش معًا” الإسلاميّ المسيحيّ قد أضحى هاجسًا مشتركًا لدى العرب جميعًا، وأنّ القضايا التي تجمع بين المسلمين والمسيحيّين هي أكثر من أن تُحصى، وبخاصّة في ما يتّصل بالقضايا الوطنيّة وبناء الإنسان وعمران الأرض. وإن لم يهتمّ الفريق بالبحث في المواضيع العقائديّة والإيمانيّة، إلاّ أنّ ثمّة اعترافًا ضمنيًّا بالكثير من المشتركات الإيمانيّة، ولا سيّما مسألة التوحيد الإلهيّ في الإسلام والمسيحيّة.

يندرج كتاب “الأديان، نظرات متبادلة” في إطار السعي إلى فهم أفضل لموقع الآخر المختلف دينيًّا في كلّ من المسيحيّة والإسلام. وذلك أنّ نظرة أيّ دين من الأديان إلى غير المنتمين إليه تتغيّر وتتبدّل بتغيّر الأحوال وتبدّلها. فلا يمكن عزل السياق التاريخيّ والسياسيّ والثقافيّ عن الحكم الدينيّ على الآخر. ولنا في تطوّر النظرة المسيحيّة إلى الآخر الدينيّ، وبخاصّة بعد المجمع الفاتيكانيّ الثاني، من القول السائد لقرون عدّة بأن لا خلاص خارج الكنيسة إلى الكلام عن الخلاص الشامل لكلّ إنسان، بمعزل عن انتمائه الإيمانيّ أو الفكريّ أو الإيديولوجيّ.

من هنا تتأتّى أهمّيّة هذا الكتاب. ذلك أنّ المقاربات المنشورة فيه تأخذ بعين الاعتبار تطوّر العلوم الدينيّة والثقافة الحديثة والاختبارات الإنسانيّة للمقدّس. وهو لا يكرّر مقولات عفا عليها الزمن، أو مقولات مألوفة في مباشرتها وفي قراءتها للنصوص الدينيّة قراءة سطحيّة فجّة، أو مقولات جداليّة لا ترى في الآخر إلاّ القباحة وفي الآن عينه تمجّد نفسها وتمدح تاريخها، أو مقولات تحتكر الله وتصادره محتجزةً إيّاه في أزقّتها. هو كتاب يؤسّس لمعرفة دينيّة صارمة لا تساوم ولا تختزل الحقائق، بل من موقع الجرأة الإيمانيّة والاعتقاد الراسخ بالخاصّ الدينيّ يطّل المسهمون في الكتاب على الآخر.

يسهم هذا الكتاب، إذًا، في المعرفة المتبادلة التي تفترض معرفة الآخر كما هو يقدّم نفسه، لا بحسب الصور المنمّطة والأحكام المسبقة التي غالبًا ما تكون مشوّهة وغير صحيحة. وهذا يجعل النظرة إلى الآخر أكثر دقّة، إذ هي تبنى على المعرفة الحقيقيّة لا على التوارث الجاهل والعقيم. هذه المعرفة تؤسّس أيضًا لانفتاح دينيّ مبنيّ على الاحترام المتبادل والحوار الصريح والتفاهم البنّاء الذي بدوره سيؤدّي إلى ولادة الإنسان الصالح وإعمار الأوطان.

ولا يخفى على قارئ هذا الكتاب أن يكتشف عبر صفحاته ليس النظرات المتبادلة بين المؤمنين وحسب، بل أن يستشفّ فيه معالم نظرة واحدة ملأى بالمحبّة والرحمة يكنّها الإنسان لأخيه الإنسان. ليس المطلوب أن يقف المؤمنون بعضهم بإزاء بعض ينظر الواحد إلى الآخر، بل أن يقفا معًا ينظران في الاتّجاه ذاته ويعملان معًا لخيرهم وخير الآخرين.

 

جريدة “النهار” 17 شباط 2008

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share