إنّ ما يشهده العالم اليوم من تطوّراتٍ وصداماتٍ وأزماتٍ نعيشها ونشاهدها، تشغلنا عن الأمور التي يجب علينا كمسيحيّين أن نعطيها الأولويّة بين اهتماماتنا .
جميعنا يعلم أنّ كلّ ما يدورُ من حولنا من مشاكلَ وحروبٍ هي من فعل الشّيطان، ولكنّنا نسأل: هل أنّ الله راضٍ بما يصيبنا من عذاباتٍ وأزماتٍ؟
وهل هو المسؤول عن هذه المشاكل؟
بالطبع لا. لأنّ اللهَ في خلْقِه لنا لم يجعلنا عبيدًا مسيّرين، بل خلقنا أحرارًا مخيّرين، لهذا السّبب أعطانا ربُّنا ذكاءً وفهمًا وحكمةً، لكي نميّز بنعمته بين ما هو صالحٌ لنا وبين ما هو شرّير.
لذا فرفضُنا للربِّ وتمرِّغنا بالخطيئة وحبّ السّلْطة والظّهور، ينمّي في قلوبنا حقدًا وكراهية ما تلبث أن تصل إلى مرحلةٍ تنفجر فيها وتولّد مشاكل واضطراباتٍ لا يتصوّرها العقل.
لذا فنحن مَنِ اختارَ هذه الحربَ ونحن مَن قصَّر في اهتمامنا بمحبّة الرّب والصلاة لأجْله لكي ينقّيَ عقولَنا وقلوبَنا من الشّرور.فهو مستعدٌّ دائمًا لمساندتنا بحبّه الذي بذل ذاته من أجله.
ألله لا يخلقُ الحروبَ والقتلَ والدمار، ألله لا يخلقُ شرًّا. فكل ما يخلقه هو مقدَّسٌ لأنّه هو قدُّوس، لكنّنا بجهلنا نحوِّل عطاياه المقدّسة إلى أمورٍ نبرّر بها أخطاءَنا.
فقد أعطانا ربُّنا الغضبَ لا لكي نصبَّه على الآخرين، بل لكي نغضبَ على خطايانا وعلى الشّيطان. ولقد أعطانا اللهُ اللّذةَ لا لكي نستلذَّ بخطيئتِنا ونستمتعَ بها، بل لكي نستلذَّ في صلاتِنا وتمجيدِنا له.
أمّا بالنسبةِ لهذه الحروبِ الواقعة حاليًا*، هي دليلٌ قاطعٌ على خسارتِنا في الحرب الحقيقيَّة ألا وهي “الحرب اللامنظورة”، أي الحرب ضدَّ الخطيئة وضدَّ مَن تنبع منه كل خطيئة، “الشّيطان”. الإنسانَ الآخر ليس هو عدوّنا، بل هو ببساطة طريق عبوري إلى ما بعد هذا العالم. أعداؤنا هم الشّياطين الشِّريرة الحاقدة على الإنسان، التي تحاربه دائمًا، ويقول الرسول بولس فيها: “لأنَّ جهادَنا ليس مع لحمٍ ودمٍ، بل مع…”(أف12:6).
حربنا اللامنظورة تختلفُ عنِ الحرب التي يقيمها البشر فيما بينهم؛(*)(من كتاب “الحرب اللامنظورة” للقديس نيقوديم الآثوسي) فربّانُنا هو يسوعُ المسيح الذي تحيط به الملائكةُ والقدّيسون. ميدانُ الجهاد هو عالم القلب، الإنسان الداخليّ. زمانُ المعركة، يدومُ العمر كلّه. ما هو سلاح المحارِب الروحي؟ خوذتُه هي عدمُ الثّقة بالنَّفس وعدم الإعتماد عليها فالإتّكال على الرَّبِّ فقط. سيفُه هو الصّلاة الطّاهرة التي تُرفَع إلى اللهِ دائمًا. ترسُه هو الإيمان الذي به يقدر أن يُطفئَ جميعَ سهامِ الشّرير. رمحُه هو عدم الدخول في هدنةٍ مع الشّيطان ورفضُ جميع عروضه وإيحاءاته. فالحرب “البشريّة” يمكن أن تنتهيَ بهدنة أو باتفاق، أمّا حربُنا الرُّوحيَّةُ فتدومُ العمرَ كلَّه. أما بالنسبة إلى غذاءِ المحارِب فهو جسدُ السّيد ودمه…
أللهُ لا يطلبُ منّا سوى الصلاة وهو مِن خلالها يهبُنا العطايا والنّعم والنّصرة على الشّرير “إسألوا تُعطوا. أطلبوا تجدوا. إقرعوا يُفتح لكم…”(متى7:7). وهذه الصلاة بدورها تعزّز إيماننا وتقوّيه، وبعدها كلّه يُزاد لنا.
بهذه الصّلاة النقيّة والمتواضعة وبهذا الإيمان القويّ، نتغلّب بنعمة الرّب على كلّ حِيَل العدوّ. و”مَن يَغلب، يَملك كلّ شيء، أكون له إلهًا ويكون لي ابنًا”(رؤ7:21).
* (كُتبت هذه المقال في حرب تموز 2006 )