اعتذر البابا بينيديكتوس السادس عشر علنًا عن الانتهاكات الجنسيّة التي ارتكبها بعض الكهنة الكاثوليك بالقاصرين، وعبّر عن شعوره بالعار إزاء هذه التجاوزات، ودعا إلى مثول المسؤولين عنها أمام العدالة. لا شكّ في أنّ هذا الاعتراف البابويّ خطوة شجاعة ومثال ينبغي الاحتذاء به لدى رؤساء الكنائس الأخرى ولدى مرجعيّات الأديان غير المسيحيّة، ذلك أنّ الانتهاكات الجنسيّة لا تقتصر على فئة من رجال الدين الكاثوليك وحدهم، بل تطول بعض رجال الدين من الانتماءات الدينيّة والطائفيّة كلّها.
صحيح أنّه ليس أمرًا جديدًا أن يسقط أسقف أو كاهن في الخطيئة. لكنّ العثرة التي يسبّبها هذا السقوط هي أعظم من خطيئة المؤمن العادي. ذلك أنّ الناس يرون في رجال الكهنوت قدوةً لهم في الترقّي الروحيّ والسلوك اليوميّ. وهذا خطأ شنيع، فالمثال واحد وهو المسيح، وليس من مثال سواه. من هنا، لا ينبغي أن يصاب المرء بالصدمة جرّاء انكشاف خطيئة أحد الحاملين سرّ الكهنوت، فالكاهن كائن بشريّ كسائر البشر قابل ارتكاب الخطايا طالما هو يحيا في الجسد، وبخاصّة حين يستغلّ بشكل منحرف سلطته الروحيّة والأدبيّة على مريديه الذين سلمّوه أمرهم لكونه بالنسبة إليهم يمثّل المسيح على الأرض. وحين يقترف كاهن ما الخطيئة فالغالب أن تكون تجاه مَن هم تحت سلطته المباشرة.
الكنيسة منذ نشأتها سنّت قوانين وتشريعات لتضبط انحرافات المؤمنين وعلى رأسهم رجال الكهنوت، ذلك أنّها أدركت الاغراءات التي يمكن أن تكون لهم سببًا لسقطات مريعة. وليس للكنيسة توهّمات أو رؤى غير واقعيّة في هذا الصدد. فالقوانين تقرّ صراحة ضرورة عزل رجل الدين إلى أيّ رتبة انتمى عن وظيفته لأمور عديدة أكثرها ممّا يمتّ بصلة إلى سلوكه في حياته الجنسيّة إن كان متزوّجًا، أو إلى عدم التزامه بالانقطاع عن الممارسة الجنسيّة إن كان عازبًا. وقد كانت الكنيسة حازمة في تطبيقها روح هذه القوانين على مرّ التاريخ إلى أن تراخت بعض الشيء في عصرنا الراهن.
يبدو لنا، ومن دون أن نشاء الاختزال، أنّ ثمّة نزعتين في الكنائس الغربيّة. النزعة الأولى تنحو إلى التشدّد في الحياة الجنسيّة لرجال الدين إذ ما زالت ترفض إلى الآن تكريس كهنة متزوّجين، مع العلم أنّ العديد من الكهنة أقاموا علاقات خارج إطار الزواج وأنجبوا أطفالاً واعترفوا بهم أبناء شرعيّين لهم. الزواج الذي تسمح به الكنائس الشرقيّة لكهنتها قد يكون حلاًّ يمنع بعض الحالات الشاذّة، لكنّه في المقابل قد لا يحصّن بعض الكهنة فيمنعهم من إقامة علاقات غير سويّة مع غير زوجاتهم.
أمّا النزعة الثانية فتميل إلى التفلّت الكلّيّ في ما يخصّ الحياة الجنسيّة إلى حدّ السماح بالزواج المثليّ حتّى بين القساوسة كما هو الحال في بعض الشيع البروتستانيّة غير التاريخيّة، وحيث بات التشريع المدنيّ في بعض الدول الأوروبيّة يقبل به. وفي هذا مخالفة صريحة لتعاليم العهد الجديد. وبولس الرسول يذكر بين الذين لن يرثوا الملكوت السماويّ “الفجّار والفاسقين والزناة ومضاجعي الذكور ومرتكبي الفحشاء” (كورنثوس الأولى 6، 9).
لا يكفي أن يعتذر قادة الكنائس عن اعتداءات الأساقفة والكهنة على ضحاياهم من القاصرين أو من البالغين، فثمّة ضحايا ما زالت تعاني من هذه الاعتداءات التي تركت فيهم جروحًا بليغة في أرواحهم من الصعب أن تندمل سريعًا. ينبغي أن تكون الكنائس أكثر صرامةً حين اختيار المسؤولين عن الرعاية. فلا يمكن تسليم النعاج إلى رعاية ذئاب خاطفة لا ترغب إلاّ بتشهّيها ونهشها. ما ينفع أكثر من الاعتذار هو خطوات عمليّة تمنع الاضطرار إليه.
لكن تبقى في الختام كلمة حقّ تقال عن أساقفة وكهنة قدّيسين ما زالوا يشهدون للمسيح من خلال عيشهم في عالمنا اليوم بحسب الأخلاقيّة المسيحيّة. ولولا هؤلاء لما تحدّثنا عن عمل الروح القدس الذي يقود الكنيسة إلى أن يبطل هذا الدهر وشياطينه.
جريدة “النهار” 3 آب 2008