رؤية كتابيّة للجنس إنطلاقاً من تكوين 2 : 18 – 25

mjoa Sunday August 31, 2008 269

النص

“وقال الربّ الإله: “لا يَحسُنُ أن يكون الإنسان وحدَه، فلأصْنَعَنَّ له عوناً يناسبه”. وجَبَلَ الربُّ الإله من الأرض جميعَ حيواناتِ الحقولِ وجميعَ طيورِ السّماء، وأتى بها الإنسانَ ليرى ماذا يُسمّيها. فكلُّ ما سمّاه الإنسان من نفسٍ حيَّةٍ فهو اسمُهُ. فأطلق الإنسانُ أسماءً على جميع البهائم و طيورِ السّماء وجميع وحوش الحقول. وأمّا الإنسان فلم يَجِدْ لِنفسِهِ عوناً يُناسِبَهُ. فأوقعَ الربُّ الإله سُباتاً عميقاً على الإنسان فنام. فَأخَذَ إحدى أضلاعِهِ وسَدَّ مَكانَها بِلَحمٍ. وبنى الربُّ الإله الضِّلعَ التي أخذها من الإنسانِ امرأةً، فأتى بها الإنسانَ.

.

فقال الإنسانُ:
“هذه المرّة هي عَظمٌ من عظامي ولحمٌ من لحمي هذه تُسمّى امرأةً لأنها من امرئٍ أُخِذَت ولذلك يَترُكُ الرَّجُلُ أباه وأمَّهُ ويَلزمُ امرأتَهُ فيصيران جسداً واحداً.وكانا كِلاهُما عَريانَين، الإنسان وامرأتُهُ، وهما لا يخجلان”.
تكوين 2 : 18 – 25

 

الشرح

 

مقدمة
كان من شأن البشر، في الحضارات القديمة، أن يعبّروا، بقالبٍ أسطوريّ شعريّ، عن أعمق ما يتصورونه عن طبيعة الإنسان وتطلعاته ومعاناته ومصيره، أي أنهم كانوا يعبّرون، بالأسطورة، عن كل ذلك الذي كانت اللغة الإعتيادية عاجزة عن الإفصاح عنه من معنى الوجود الإنساني وأصل هذا الوجود وغايته، وسرّ الحياة والموت. وقد اتخذ الوحي الإلهي أحياناً قالباً من هذا النوع ليُحَدِّثَ البشر عن علاقة الله بهم وعمّا يخطّطه لخيرهم وسعادتهم. في هذه الحالات يتخذ الوحي الإلهي صوراً قد تبدو في الظاهر شبيهةً بما كان شائعاً في أساطير الشعوب القديمة، ولكنها تختلف عنه جذرياً في فحواها ومضمونها.في النص الذي بين أيدينا نجد نموذجاً من هذا النمط الأسطوريّ الشعريّ الذي شاء الله أن يتبنّاه ليخاطب، من خلاله، البشر بلغتهم، وينقُل إليهم عبرها فكره وتصاميمه. وهو هنا يكشف لهم رؤيته للجنس كما أراده في علاقة الرجل والمرأة.

 

* “لا يَحْسُنُ أن يكون الإنسان وحده” (تك 2: 18 أ)

يرى الله أنه لا يمكن للإنسان أن يكتفي بذاته، أن ينغلق على نفسه، لأنه إذ ذاك يُعطّل ويُجهض إنسانيته. فإنسانية الإنسان لا تتحقّق، لا تنمو، لا تقوى، لا تنتعش، لا تفرح، لا تنضُج، إلا إذا عاش الشراكة مع سواه. ذلك لأنه مخلوق على صورة الله (راجع تك 1: 26 و 27)، والله، لأنه “محبة” (راجع 1 يوحنا 8 و16)، ليس منفرداً، لكنه شراكة حبّ، وحدة ثالوثية. هكذا فالإنسان يحقّق إنسانيته إذا حقّق صورة الله التي طُبِعَ عليها، أي إذا عاش شراكة حبّ مع الناس الآخرين أمثاله. ونموذج هذه الشراكة وذروتها هي وحدة الحب التي تجمع رجلاً وامرأةً، والتي تعبّر عنها وتجسّدها المعايشة الجنسية بينهما.

 

* “فلأَصْنَعَنَّ له عوناً يناسبه” (تك 4: 18 ب)
هذا “العون” هو الشريك، الذي يتعاون الإنسان معه على مواجهة الحياة وتحقيق الذات وصنع المصير. إنه “يناسبه”، بمعنى
أ – أنه مختلف عنه، باختلاف الجنسين أحدهما عن الآخر، كي يتسنى للمرء أن يكتمل به.
ب – أنه من مستواه، لكي يتم التبادل بينهما على أفضل وجه، فيعطي كل من
الشريكين بمقدار ما يأخذ، ولكي تتحقق خير شروط التفاعل والتفاهم

 

* “وجَبَلَ الربُّ الإله من الأرض جميع حيوانات الحقول وجميع طيور السماء، وأتى بها الإنسانَ ليرى ماذا يسمّيها (…). وأما الإنسان فلم يجد لنفسه عوناً يناسبه” (تك 2: 19–20)

في عرف الحضارة التي نشأ فيها الكتاب المقدس، التسمية تعني السيطرة. مَن يُطلق إسماً على آخر، فهذا يعني أنه يجعله في خدمته. لذلك، فعندما دعا الله ابراهيم إلى تركِ عشيرته ليكرّس ذاته لخدمته تعالى، غيّر اسمه من “أبرام” إلى “ابراهيم”، أي أعطاه اسماً جديداً. لذلك أيضاً، فعندما أتى الله الإنسانَََََ بحيوانات الأرض ليسمّيها، أشار بذلك إلى أنه منحه سلطاناً عليها،نظراً لما وهبه من تفوّق على سائر المخلوقات بجعله إياه على صورته (راجع تك 1: 26). الحيوانات هي إذاً دون الإنسان، ولذلك فهو يستعين بها لخدمته، ولكنه لا “يجد لنفسه (بينها) عوناً يناسبه”

 

* “فأوقع الربّ الإله سباتاً عميقاً على الإنسان …” (تك 2: 21)

عبارة “السبات” تشير، كما يتضح من العبارة الواردة في الترجمة اليونانية للكتاب المقدس (وهي الترجمة المسمّاة “السبعينية”، التي توليها الكنيسة الأرثوذكسية اهتماماً كبيراً)، إلى حالة “انخطاف”، أي إلى نوع من الذهول يعتري الإنسان إذا اقترب منه الله بنوع خاص، فيغيب إذ ذاك عن العالم الحسيّ كما يغيب عنه أثناء النوم. فإذا كان الإنسان قد انتابه هذا الإنخطاف عندما أوجد الله له شريكة، فإن ذلك يشير إلى أن الحب الذي يجمع بين رجل و امرأة، إذا كان أصيلاً أي حقيقياً، فهو مكان يتجلّى الله فيه ويسطع فيه بهاؤه. وفي الكتاب المقدس، سِفرٌ جميل عنوانه “نشيد الأناشيد” يُتَّخَذُ فيه الحب بين رجل وامرأة, صورة عن الله و حبّه للناس. وقد وردت فيه عن الحبّ البشريّ هذه العبارة: “سهامه سهامُ نار ولهيبُ الربّ” (نشيد الأناشيد 8: 1)

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share