رسالة الأمانة العامة إلى المجمع الأنطاكيّ المقدّس – آب 2004

mjoa Sunday August 31, 2008 315

  • مقدّمة
  • الهجرة
  • الانتماء الكنسيّ
  • الشباب
  • الأصوليّة والانفلاش
  • التثقيف اللاهوتيّ المتخصّص
  • المؤسّسات
  • البنى الكنسيّة
  • حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة
  • أنطاكية والأرثوذكسيّة في العالم
  • تجميع الطاقات
  • خاتمة

.

مقدّمة
فيما نحن على مشارف اجتماع المجمع الانطاكي المقدّس نستذكر الماضي المجيد وقوافل القدّيسين العظام الذين دعّموا الكنيسة، في غير جيل، بأسس الحقّ، ورووها بدمائهم الطاهرة. كما نستذكر جراح التاريخ وحقبات الاضطهاد والتهميش والضغط متشدّدين بالروح القدس الذي حفظ كنيستنا إلى اليوم، ومنّ عليها في كلّ زمان بتعزيات كبرى بلسمت جراحها. فإذا هي، رغم تقادم السنين، لا تزال موطّدةً على أساس الإيمان الرسوليّ المسلّم إلى القدّيسين دفعةً واحدة، ساعيةًَ، في وجهها الملتصق بالعالم والزمن، إلى تطهير ذاتها لتصير لسيّدها ما جعلها هو عليه، عروساً نقيّةً له، لا غضن فيها ولا عيب.
ولئن كان الاستذكار يعزّينا، إذ من شأنه أن يُظهر كيف حفظ الله كنيسة أنطاكية في الماضي وكيف يفتقدها اليوم بنعم لا يُسبر غورها، إلاّ أنّنا نرى لزاماً علينا أن نتطارح وإيّاكم بعض الهموم التي تشغلنا جميعاً. وإنّنا لا نقوم بهذا إلاّ من باب اقتناعنا بأنّ اللاهوت الأرثوذكسيّ، الذي نشأنا وننشّئ عليه، يمجّ كلّ انفصال بين الإلهيّ والإنسانيّ في الفكر والممارسة. فالكلمة الإلهيّ، في تجسّده، وحّد نفسه بالطبيعة البشريّة كاملةً مطالباً إيّانا أن نطوّع إرادتنا لإرادته، وأن يأتي سعينا متماشياً مع سعيه. فإذا قدّسنا هو، في المعموديّة والميرون، ويقدّسنا في الخبز النازل من السماء، نحن مطالبون بأن ينسجم جهدنا البشريّ مع هذه القداسة التي منحنا إيّاها نعمةً. وإذا تبنّى في تجسّده كلّ ذرّة من ذرّات وجودنا، فنحن مؤتمنون على تطابق هذا الوجود في رحاب الكنيسة المنظورة وخارجها مع الإنجيل الذي وهبه لنا معياراً لسلوكنا ونبراساً لتصرّفاتنا. لا يسعنا، إذاً، أن ننحصر في تكرار القول إنّ الكنيسة ناهضة لأنّ سيّدها الناهض قدّسها وأنهضها. هذا القول صحيح طبعاً، وهو أساس حياة الكنيسة وحياتنا فيها. بيد أنّه، حتّى لا تتحوّل هذه الحقيقة دينونةً، لا بدّ من أن نسائل أنفسنا عمّا صنعنا ونصنع اليوم حتّى تضحي هاتان القداسة والنهضة أكثر جلاءً وارتباطاً بإنسان هذه الديار التي ارتضى الله أن نحيا فيها، ولا سيّما أنّ ثمّة تحدّيات كبرى يرتطم بها أرثوذكس هذه البلاد بخاصّة وأهلها بعامّة لا يجوز أن نتغافل عنها اليوم وغداً. انطلاقاً من هذا الاقتناع، نودّ أن نطرح أمام محبّتكم القضايا الآتية بالوضوح والصراحة التي عوّدتمونا عليها، من دون أن يشير تسلسلها على هذا النحو إلى سلّم أولويّات ما.
الهجرة
منذ أواخر القرن التاسع عشر، تتبدّى الهجرة قدر كثر من أبناء كنيستنا وأهل هذه الديار. والحقّ أنّ الكنيسة الأنطاكيّة نجحت، إلى حدّ لا يُستهان به، في تنظيم شؤون المؤمنين الذين في المهاجر ورعايتهم مظهرةً في ذلك كثيراً من المرونة، وخصوصاً في مسألة اللغة. لكنّ ظاهرة الهجرة اتّخذت في الآونة الأخيرة، ولا سيّما بعد انتهاء الحرب اللبنانيّة، منحىً دراميّاً، إذ نرى أبناءنا وإخوتنا يغادرون زرافات زرافات. والملاحظ أنّ ذوي الطاقات العلميّة والفكريّة الرفيعة يشكّلون شريحةً كبيرةً في أوساط هؤلاء. نجاحات المهاجر هنا وهناك، إذاً، يجب ألاّ تثنينا عن طرح السؤال عمّا يجب أن نبذله من خطوات عملانيّة لتقصّي أسباب الهجرة ومحاولة الحدّ من مفاعيلها السلبيّة على شعبنا.
الأرض، في ذاتها، ليست القيمة الكبرى. فالإنسان قادر على خدمة الله وتسبيحه أنّى حلّ. ولكن إذا كنّا مقتنعين بأنّ الربّ وضعنا في هذه البقعة من العالم حتّى نقدّم شهادةً له مستوحاة من بيئتها وثقافتها، فلا مناص من أن نواجه بجدّيّة تحدّي الناس الذين يرحلون. ما هي الأسباب التي تسوق أولادنا إلى ترك بلادهم، وأيّ من هذه الأسباب أكثر تأثيراً من سواه؟ وما هي، بمقتضى ذلك، مساهمتنا في مواجهة ظاهرة الهجرة، وخصوصاً على صعيد التصدّي للفقر الذي بات يضغط على كثر من بني بلادنا؟
إنّ أدبيّاتنا لا تخلو من محاولات تحليل ظاهرة الهجرة بحسب الأمكنة (لبنان، سورية، فلسطين، تركيا) وتبيان العوامل المتحكّمة فيها. ولعلّ هذه المحاولات، إذا تمّ استيحاؤها وتعميقها، تساعدنا على إدراك أفضل للدوافع التي تحدو بالشباب إلى الرحيل. في المقابل، يزيّن لنا أنّنا إلى اليوم نكاد نكتفي بخطاب يدعو الناس إلى عدم الهجرة معرضين عن اتّخاذ أيّ تدابير جدّيّة، فكريّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً، تقنع من رغب في الرحيل بجدوى البقاء، وتسهّل له هذا البقاء.
لقد آن الآوان أن ننتقل جميعنا، رعاةً وشعباً، من مرحلة الخطاب الكلاميّ إلى مرحلة التفكير العلميّ، الجدّيّ، المنظّم في خطوات سريعة يستشعر معها الذين يرحلون أنّ كنيستهم تقف إلى جانبهم وتسعفهم في ظروفهم الحالكة هذه. ويجب ألاّ يثنينا شيء عن التعاون مع الكنائس الأخرى في هذا المضمار عبر مشاريع مشتركة، لكون المسيحيّين في الشرق كلّهم بلا استثناء يتعرّضون لنـزف الهجرة، ما يؤدّي إلى إفقارهم مجتمعيّاً وفكريّاً والحدّ من فاعليّة شهادتهم للمسيح في هذه البقعة من العالم.
0 Shares
0 Shares
Tweet
Share