أقدم شهادة عن إشارة الصليـب هي مـن القرن الثاني الـمـيلادي. انها ممـارسـة منـذ العصـور الاولى ولـم نبتـدعها ابتـداعا. وحتى الانشقاق سنـة 1504 وبعيده كان العالـم الـمـسيحي يمارسها على الطـريقـة التي نحتـفـظ بهـا نحن (ثـلاثـة اصابع مضمومـة والاشارة مـن الجبين الى الصدر الى الكـتـف اليمـنى اولا) وهكـذا كان عنـد الـمـوارنـة. وعنـدما يرسمـها الكـاهـن على الشعـب ينــزل يـده مـن فوق الى أسفـل ثم ينـتقـل الى جهـة اليسار قبـل اليمين ليـأتي الـرسـم على يمـين الـمـؤمنين. هذه العلامة يرافقها دائما ذكر الثالـوث الـمـقدس: باسـم الآب (او الـمجد للآب) والابـن والـروح القـدس او قـدوس الـلـه او اي دعاء يتضمـن معـنى السجود اذ نشيـر بذلـك الى ان الثالـوث الالـهي منـذ الأزل صمـم مـوت الابـن على الصليـب “فالمسيـح ذبيـح قبـل انشـاء العـالـم”.
ينبغي ان نتصل بالـلـه بالقـلب كلـما صلَّبـنـا وجوهـنـا لا ان تـأتي علامة الصليـب آلـية. نحـن لسنـا في عالـم السحر حيـث الاعتـقاد ان الساحـر اذا قـام ببعـض اشـارات يـأتـي بنـتـيجـة معـيـنــة. إشارة الصـليـب عنـدنـا مصحــوبـة بذكر الـمخـلص او الثالــوث جـمـلـةً.
لـمــاذا نصرّ على الصليـب؟ لأننـا نعيـش في نطاقـين: النطـاق النـفسي والنطـاق الجسدي وكلاهـما يعبد الـرب. يعبـدانـه معـا. هكذا الـمـصافحــة بين شخصين حيـث اليـد تتحـرك لأن القـلب اختـلـج. هكذا القبـلـة. هـذه ليست اصطنـاعيـة. الـمــصافحـة رمـز اي إشـارة تحتــوي معـنـاهـا وتنـقـل معنـاها.
بالـروح عينـها نتقدم الى الـمـناولـة الالهيـة وذراعانـا مضمـومتان على الصدر بشكـل صليـب. والشماس عند الـمـناولــة يطـوي الـزنـار الذي يتمـنطـق بـه، يطـويـه بشكـل صليـب على صدره ليـدل على انـه مصلـوب مع الـمـسيـح ومبيـد الخطيئــة. اما في الـمــعـموديـة فيُعطى الولد صليبا يعـلـق في عنـقه لكي يذكـر على الـدوام ان مخلصـه حـي.
في الاتجاه نفسه ظهر إكرام الصليب كأداة توضع في الكنـائس او أماكـن اخرى منـذ القرن الثـالث. في القرن السادس نرى الـمـصلوب مرسومـا على الصليـب. ولكن في البـدء نجد يسوع لابسا حلـة ملـوكيـة ومفـتـوح العـينين لكـونـه غـالـب الـمـوت. في العالـم الارثوذكسي لا نعـرف الصليـب عـاريـا. الـمخلـص مـرسوم دائما، الأمر الذي يجعـل الصليب عنـدنـا ايقـونـة لـها شكـل خاص. ويُستعمـل لـلبركـة ولتقـديـس المــــاء يـوم الظـهـور الالـهي.
اما الإكرام في العبـادات فيـوما الاربعـاء والجمـعـة مـن كل اسبـوع مركـزان على “الصليـب الكـريم المحيـي” ربمـا لكـونهما يـومي صيام بـل اول صيـام ظهـر في المسيـحيـة. كذلـك نصوم في 14 ايلـول يوم عيد ارتفاع الصليب لأن الصيام نـوع مـن مشاركتنـا آلام السيـد.
الى جانب هذا الـعيد لنـا عيدان آخران. في اول آب عنـدنـا تـزييـح الصليـب اذ كانت الأمـراض تكـثـر في آب في القسطـنطـينـيـة فكـان يُطـاف بـيـن اول آب و15 منـه بعـود الصليب في شـوارعها لتقـديس الأمكـنــة ورفع الأمـراض. ثـم يـوضع في مكـان لكي يـراه الشعـب ويسجد لــه. ثـم فـي الأحـد الثـالـث مـن الصوم نعـيّـد فيـه لـلصليـب حتى يشتـد حبـنـا لـلسيـد ولا تتـراخى عـزيمتـنـا بسبـب مـن تـعـب الصـوم.
اما الطـواف بالصليب بعد الإنجيـل الخـامس من الخميس العظيـم مساء فـقـد أدخلتـه الكنيسـة الانطاكية على الطقوس في منتصف القرن التاسع عشر. هكذا نشهـد بالرمـوز والعبـادة لسـر الخـلاص.