في تعييدنا للصليب الكريم، يطوف الكاهن في الكنيسة بالصليب موضوعا على صينية من زهور ومتوسطا ثلاث شمعات مضاءة، ويقف امام طاولة في وسط الكنيسة ، وينحني مرة على كل جانب من جوانب الطاولة ثم ينهض حاملا الصينية فوق رأسه بينما يتلو الجوق 100 مرة “يا رب ارحم” على كل انحناءة. وهذه تذكّرنا بحادثتين : أولهما رفع الصليب من الأرض عندما وجدته المغبوطة هيلانة في اورشليم سنة 326 ، وثانيهما استعادة هرقل الأمبراطور عود الصليب من الفرس وإعادته الى اورشليم واستقباله من قبل البطريرك زخريا سنة 630. ولذلك فان انحناء الكاهن ثم ارتفاعه يُشيران رمزيا الى ارتفاع الصليب في هاتين الحادثتين.
اما الصليب الموضوع في وسط ثلاث شمعات في صينية الزهور، فهو يذكرنا بأن الصليب هو وسط إيماننا وصورته. كما يشير الى المسيح المعدّ للفداء في الثالوث، أي، على حد قول القديس مكسيموس المعترف، ان المسيح كان ليُصلب منذ الأزل من أجل خلاص العالم. وهذا يؤكده سفر الرؤيا في حديثه عن المسيح الذبيح منذ انشاء العالم (رؤيا 13 : 8). ويشير ايضا الى ان الصليب هو لنا شجرة حاملة الحياة وسط فردوس لنا مُستعاد. فالجلجلة ليست آخر المطاف، انما تتفجر القيامة من الجلجلة، لاننا فيما نذوق عذاب الحياة يرفعنا الله اليه من الخشبة، ويحررنا من المسامير ويضمّد جراحنا ويضمّنا الى صدره الكريم، ويتلقانابقبلة. في الطبيعة، ان قبّلت احداً فبرضاه ولأنه هو يبادلك القبلة. وهنا الزهور الموزّعة علينا اليوم تعني ان كل زهرة قبلة الله للنفس المؤمنة، وكأن الثالوث ينحني على كل من يلتصق بالصليب، مقدما العزاء والشفاء والفرح والبلسم الشافي :”بالصليب قد أتى الفرح لكل العالم”.
بتقبيلنا للصليب نقدّم شهادة صامتة بأننا اقتبلنا الصليب في حياتنا، ونتابع مسيرة الحياة مجاهدين بالطاعة لوصايا الرب وبالمسالمة في ما بيننا وباحتمال بعضنا البعض :”من يهرب من الضيقة يهرب من الله” (بولس البسيط).
فإن نحن عانقنـا الصليب فليـكن هـذا انطلاقـا جديدا الى السماء. ان نحن حملنا الصليب فنحن سائرون الى قلب الله، هناك نحن نقيم في هذا النور الأبدي الذي لا يغرب.
كل هذا يجري في نهاية المجدلة الكبرى في آخر صلاة السحر. ثم نحضر القداس الالهي الذي يتوّج عهدنا بمعانقة المصلوب، حيث نتعانق وإياه أزليا في عشائه الأخير.