طبعات أخرى: مجلس كنائس الشرق الأوسط ، القاهرة -الطبعة الأولى
صدر هذا الكتاب، للمرّة الأولى، السنة 1994، في مصر، عن مجلس كنائس الشرق الأوسط، وقد أشرف على إصداره مشكورًا، وعرّف عنه، على الغلاف، الصديق الدكتور موريس أسعد، الذي كان يشغل، في ذلك الحين، منصب الأمين العام المساعد للمجلس.
وهو يصدر الآن عن منشورات النّور (بيروت)، في طبعة ثانية اغتنت حواشيها بعناصر جديدة، مستقاة من مراجع صدر معظمها بعد إنجاز الصياغة الأولى للكتاب، وقد جمعت عناوين هذه المراجع في لائحة أثبتت بعد لائحة المراجع السابقة. كما أننا أضفنا ملحقًا ثانيًا يتميّز بتقديمه معطيات حديثة عن تطوّر قضيّة المرأة في الكنيسة الأرثوذكسية. نقدّم للقراء هذه الطبعة المزيدة، راجين أن تشكّل خطوةً، ولو متواضعة، في طريق الانتقال من موقع المرأة الراهن، بشوائبه الكثيرة، إلى مرتجاها المنير، وهو درب لا يزال طويلاً ومحفوفًا بالعوائق والألغام.
طرابس – الميناء (لبنان)،
في 7 كانون الأوّل 1999
ك.ب
مقدمة الطبعة الأولى
يجمع هذا الكتاب مواضيع طُرحت في أوقات مختلفة، وفي فترة تمتدّ ما بين 1983 و1989، في إطار “ندوة الثلاثاء”. والندوة هذه انطلقت في فرع طرابلس – الميناء (لبنان) لحركة الشبيبة الأرثوذكسية في حزيران / يونيو 1981، وتوخّت منذ تأسيسها أن تكون مكانًا يُستكشف فيه الإيمان إنطلاقًا من الأسئلة التي يواجهه بها الفكر الساعي بعناء إلى ملء الحقيقة، والحياة المتوثّبة عبر المشاكل والهموم والتناقضات. أمّا الغاية المنشودة من وراء ذلك، فكانت السعي إلى تدامج بين الإيمان من جهة، والهواجس الفكريّة والحياتيّة من جهة أخرى، بحيث يتعمّق الإيمان بفعل التحدّيات ويتأصّل في هواجس الأرض، مما يسمح له بالمقابل، باحتضان تلك الهواجس وإنارتها من الداخل، وفتح أرحب الآفاق أمامها، ووضعها في خطّها الإنسانيّ الصحيح. وقد حرصت هذه الندوة، منذ إنشائها، على أن تكون منبرًا للشباب، بحيث يتسنّى لهم أن يطرحوا فيها ما شاؤوا من أسئلة بصراحة، يحفزها ما اعتمد في ما بعد من إغفال ذكر أسمائهم، وأن يشاركوا في الإجابة عنها بشحذ أفكارهم واستلهام خبراتهم قبل أن يستمعوا إلى مداخلة يقدّمها لهم أحد المرشدين، فيمدّهم من خلالها بعناصر من معرفته وخبرته، الغاية منها مؤازرة سعيهم للوصول إلى جواب مقنع عن تساؤلاتهم. إنّ “ندوة الثلاثاء” – التي تعقد بانتظام بمعدّل مرّة كلّ أسبوعين- كانت إذًا ولا تزال مجالاً لبلوغ فهم للإيمان يتجاوز مجرّد اجترار عبارات جاهزة، واستنارة للفكر والحياة بهذا الإيمان الواعي الملتزم.
الكتاب الحاضر، الذي نرجو أن يكون الأوّل في سلسلة تستمدّ عناصرها من “ندوة الثلاثاء” هذه، يجمع مواضيع تمحورت حول المرأة. ولا عجب أن نرى هذا الموضوع يتكرّر، بأشكال ومن زوايا مختلفة، بين الأسئلة التي طرحها الشباب. فموضوع المرأة من مواضيع الساعة. ولا بدّ للشباب الذين هم، بطبيعة عمرهم، منفتحون على كلّ جديد، من أن يتحسسوه، بخاصّة في مجتمع إنتقاليّ كمجتمعنا حيث تتصادم بحدّة وصخب المواقف التقليديّة الموروثة وتيّارات الحداثة. وليس بالأمر المستغرب أن يحتدم هذا التصادم بنوع خاصّ في موضوع المرأة، لأنّه موضوع يمسّ كلّ إنسان في صميم كيانه- إذ يضع على المحكّ تصوّره لجنسه وللجنس الآخر وللعلاقة بينهما، علمًا بأنّ الجنس يمتدّ إلى جذور الشخصيّة ويطبع كلّ أبعادها – ولأنّه محاط بهالة من القدسيّة بسبب تداخله مع الأعراف الحضاريّة والمعتقدات الدينيّة. من هنا اقتضى بحث الموضوع بأقصى درجة ممكنة من الصفاء والموضوعيّة، خوفًا من الانزلاق وراء الأفكار المسبقة والانفعالات والتشنّجات – وما أكثر احتمال حدوثها في هذا المضمار – ممّا لا يعني أن يبقى المرء “محايدًا”. إذ لا قَبِلَ له أن “يعلو” فوق صراع يمسّه بالحقيقة، شاء أو أبى، في صميم إنسانيّته، ولا بدّ له تاليًا من أن يتّخذ فيه موقفًا، إنّما مع الحرص الشديد على أن يأتي هذا الموقف واعيًا ومسؤولاً ومنفتحًا ومتّزنًا.
هذا ما حاولنا جاهدين أن نحقّقه في هذا الكتاب. فقد حرصنا على أن نسلط على هذا الموضوع الشائك، المعقّد، ما استطعنا من معطيات نفسيّة واجتماعيّة ولاهوتيّة، إنّما مع تحاشي نهج الاختصاص وأسلوبه، دعمنا بها قناعتنا بأنّ المرأة إنّما هي حكمًا مستلبة إذا ما قارنّا بين ما تحمله من طاقات والدور المفروض عليها منذ آلاف السنين، وبأنّ اختلافها عن الرجل- وهو حقيقة كيانيّة ثابتة، وإن كان المجتمع يضخّمها ويؤوّلها بشكل مغرض – لا يبرّر بحال من الأحوال اعتبارها دونه في الكرامة والمبادرة والمسؤوليّة، وبأن الحق والإنصاف وانتعاش الجنسين ومستقبل البشريّة، كلّ ذلك يتطلب تحريرها من قصورها المفتعل وإطلاق يدها في إقامة علاقة الندّ بالندّ مع الرجل والتعاون معه على قدم المساواة في بناء الأسرة والمجتمع.