طبعات أخرى: منشوارت النور – الطبعة الثانية – 1988
الإلحاد الماركسي هو بلا شك أهم مظاهر الإلحاد المعاصر. وذلك أولاً بالنظر لامتداده. فان ثلث الإنسانية، وهي العالم الشيوعي، تنتمي رسمياً إليه، إذ أنه في تلك البلاد ((دين الدولة)) إذا صح التعبير ومن الصعب على أي إنسان أن يحيا هناك أن يكون له مركز هام إن لم يجاهر بإلحاده. ومن جهة ثانية تعود خطورة الإلحاد الماركسي إلى طابعه ((التبشيري)). ففي العالم الشيوعي تقام الشعائر الدينية ولكنها تعتبر مظاهر فلكلورية يتغاضى عن وجودها ريثما تزول مع الزمن ولا يسمح للأديان بأي تبشير فيما يسخر التعليم والصحافة والراديو والسينما والتلفزيون في بث الإلحاد، وفيما تقدم اكتشافات العلم وتحقيقاته على أنها ثمار الإلحاد. أما الناحية الثالثة في خطورة الإلحاد الماركسي فهي في كونه يقدم على انه جزء لا يتجزأ من عقيدة جاهد أصحابها ولا يزالون وبذلوا التضحيات الجمة في سبيل تحرير الإنسان من الاستغلال والاستعباد، لذا فالتجربة الكبرى التي قد تهدد أفضل الناس وأكثرهم مثالية واستعدادا للبذل والتضحية هي أن لا يميزوا في الماركسية بين إلحادها من جهة ودعوتها إلى العدالة من جهة أخرى، فيعتنقون الإلحاد لأنه قُدم لهم على انه ملازم لما استهواهم في الماركسية من قيم إنسانية أصيلة.
لن نبحث في هذه الدراسة في الماركسية عامة. إنما سنتوقف عند الإلحاد الذي تدين وتنادي به. سنرى أولاً ما هو مفهوم ماركس لله والدين. ثم ننتقل إلى نقد النقد الماركسي للدين محاولين تبيان التناقضات والمآزق التي يقود إليها رفض الله في الماركسية. وأخيراً سوف نتساءل إذا كان الإله الذي رفضه ماركس هو اله الإعلان المسيحي وإذا كان الحاد ماركس لا يعود، إلى حد ما، إلى تشويه صورة الله في ذهن المسيحيين أنفسهم.
كوستي بندلي