مدخل إلى القداس الإلهي – منشورات النور – الطبعة الأولى – 1961

mjoa Friday September 26, 2008 233

طبعات أخرى: منشورات النور –  الطبعة الثانية – 1975

منشورات النور – الطبعة الثالثة – 1982

منشورات النور – الطبعة الرابعة – 1995

 

madkhalتوطئة: هذا الكتاب في الأصل سلسلة دراسات أُعدت لفرق حركة الشبيبة الأرثوذكسية. وقد علّقت الحركة منذ نشأتها أهمية كبرى على شرح القداس الإلهي في برامجها الثقافية. ذلك أولاً لمكانة القداس الإلهي في حياة الكنيسة. فإن كانت الكنيسة المحلية تحديدًا جماعة المؤمنين المجتمعين برئاسة الأسقف حول سر الشكر، كان إذًا هذا السر محور حياة الكنيسة وقلبها النابض. وبالفعل من شاء أن يتعمق في دراسة القداس الإلهي وجد فيه كنوزًا متجمعة من المعاني الروحية والعقائدية الأساسية في الأرثوذكسية.

.

ثم لأن المسيحية تدعو إلى ممارسة الحياة الكنسية فعليًا وتحث بالتالي أعضاءها على أن لا يكتفوا بحضور القداس الإلهي بل أن يشتركوا به بالاندماج الروحي والمناولة المتواترة، كان إذًا من الضروري أن تشرح الكنيسة لهم هذه الخدمة الإلهية بتمعن لكي يتسنى لهم أن يقفوا فيها موقف المشترك لا موقف المتفرج السطحي.

وأخيرًا، إذا كانت الحكمة التربوية تقتضي السير من المألوف إلى المجهول ومن المحسوس إلى المعقول، لذا كان من الحكمة أن تتخذ الكنيسة، كنقطة انطلاق في عمل التثقيف الديني الذي تقوم به بين أعضائها، تلك الخدمة الإلهية التي يألفها الأرثوذكسيون أكثر من أي عنصر آخر من عناصر الحياة الكنسية، والتي كان لها الفضل الكبير في حفظ الإيمان الأرثوذكسي عبر عصور الجهل الديني المظلمة، تلك الخدمة التي فيها تتجسّد الحقيقة الإلهية إلى أبعد حدّ فتنفذ إلى العقل والقلب من خلال الحواس وترفع النفس إلى الله مع عبق البخور وروعة الترانيم وبهاء الملابس الكهنوتية وجمال الحركات المعبّرة.

ولا بد أن نشير هنا إلى أن هذا الجمال الذي سحر، حسبما رُوي، موفدي الأمير الروسي فلاديمير حتى أنهم عادوا يهتفون: “قد خُيِّل إلينا أننا كنا في السماء”، هذا الجمال الذي يطفح به القداس لا يخلو من خطر والتباس إذا لم يقترن بتعليم وتربية دينيين متينين. ذلك أنه يُخشى أن يقف الإنسان غير الناضج روحيًا عند المظاهر فلا يتعداها إلى الجوهر واللب، فيقع في صنمية الأشكال عوض أن يرى فيها لغة يكلّم الله بها القلب ليحمله إلى التوبة والحب، فيأتي المرء عندئذ إلى القداس ليطرب بالموسيقى الجميلة ويتمتع بجمال الترتيبات ويكتفي بأحاسيس خشوعية تدغدغه دون أن تحدث في حياته أو ذهنيته أي تغيير يذكر. لذلك لا بد لنا في شرحنا للقداس من التشديد على المعنى العميق الكامن فيه، ذلك المعنى الذي لا يترك أي مجال لموقف المتفرج إذ هو اشتراك في ذبيحة المحبة الكاملة وبالتالي التزام وتكريس وجهاد.

وقد لاحظنا أن بين العوامل التي تدفع الناس إلى الوقوف من القداس موقف الناظر إلى موضوع خارج عن كيانه، تراكم التفاسير الرمزية التي تكاثرت في العصور المتأخرة وحجبت الواقع الأصيل للقداس أي كونه استعدادًا للاشتراك ثم اشتراكًا في مائدة الرب لنصبح “مساهمي الحياة الأبدية”. هذه التفاسير التي نراها في كتب شرح القداس الموجودة باللغة العربية لها بلا شك قيمتها التقوية وقد احتفظنا ببعضها في شرحنا هذا ولكننا اجتهدنا أن نبرز، بشكل خاص، جوهر القداس العميق أي أن نظهره لا كمجموعة رموز للتأمل ولكن كفعل واحد مستمر يعاش ويساهَم به.

إن واضع هذا الشرح مدين بخطوطه الرئيسية لسيادة المطران جورج خضر الذي كان أول من كشف له ولكثيرين غيره ذاك المعنى الواقعي الأصيل للقداس الإلهي، كما كشف لهم كنوزًا أخرى غزيرة من كنوز كنيستهم، كما أن سيادة المطران إغناطيوس هزيم قد أبدى ملاحظاته في المخطوط واهتم بتنقيح لغته. فإليهما عميق الشكر.

وختامًا فيما نضع هذا الشرح بين أيدي المؤمنين، نضرع إلى الرب أن يجعل منه – كما يشير اسمه – مدخلاً إلى اشتراك فعلي كياني في هذا السر العظيم، ذكرى محبة السيد واستمرارها المحيي بيننا إلى أن يجيء.

 

ك.ب.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share