النظرة المسيحية إلى العمل

mjoa Thursday October 2, 2008 204

إخوتي الأحباء،
يسرنا أن نجتمع اليوم ونور القيامة يغمرنا لنحتفل بهذا العيد الذي اعتادت شعبة العمال في مركزنا أن تقيمه في كل سنة والذي هو عزيز على قلب كل مسيحي يعيش مسيحيته ويفهم متطلباتها.

.

1- المعنى المسيحي للعمل:
قلت أن هذا العيد حبيب لكل مسيحي مؤمن واع وذلك لأن العمل له في نظر مسيحي كهذا معانٍ إلهية تضاف إلى المعاني البشرية التي يتحدث الناس عنها عادة. إن العمل البشري، في المسيحية، إشتراك في عمل الله نفسه. فلا ينبغي أن نتصوّر الله كما يتصوره الكثيرون كائنًا عظيمًا خلق العالم دفعة واحدة وبعد ذلك تركه وشأنه وتربع على عرشه البعيد بين الكواكب متفرجًا عليه. إن هذه النظرة الصبيانية تخالف التعليم الإلهي. فالرب يسوع علّمنا قائلاً في إنجيله: “إن أبي حتى الآن يعمل…”. فالله إذًا لا يزال يعمل في هذا الكون “الذي به يحيا ويتحرك ويوجد” والخليقة لا تزال مستمرة إذ إن الله لا ينقطع عن تدبير خلائقه وإدارتها والعناية بها بموجب تصاميمه الإلهية الكلية الحكمة والغامضة الوصف. ولكن الله الذي خلق الإنسان على صورته ومثاله شاء أن يكرّم الإنسان بهذا المقدار حتى إنه جعله مساهمًا معه في عمل الخلق فطلب منه “أن يملأ الأرض ويتسلط عليها”، وكيف يتم ذلك إلا بالعمل اليدوي والعقلي؟ ولذلك تذكرون كيف أن الله عندما خلق آدم طلب منه أن يشتغل في الفردوس (وهذا عمل يدوي) وأن يدعو الحيوانات بأسمائها (وهذا عمل عقلي). فكأن الإنسان بعمله يكمّل عمل الخالق بتلك القدرة عينها التي وهبه الخالق إياها عندما جعله على صورته ومثاله. فإنكم مثلاً يا إخوتي عندما تأخذون الحجر أو الحديد أو الخشب أو غير ذلك وتصنعون من هذه المواد التي أعطاها الله للإنسان أشياء جميلة مفيدة، فعندئذ تساهمون في عمل الله إذ تزيدون على جمال الكون ونظامه وترتيبه، جمالاً ونظامًا وترتيبًا أخرى هي ثمرة هذا العقل النيِّر الذي أنعم الله به علينا وهذه اليد الإنسانية المرنة الذكية التي هي من أروع مواهبه.

 

 

 

ولكن هذا العمل الذي كان في الأصل مصدر فرح قد أصبح بسبب سقوط الإنسان في الخطيئة وابتعاده عن خالقه، مصدر شقاء: “ملعونة الأرض بسببك، حسكًا وشوكًا تنبت لك، بعرق جبينك تأكل خبزك…”. من هنا نشأ هذا التعب المضني الذي يرهق الأعصاب وينهك العضلات ويدخل السأم واليأس إلى القلب. ولكن الله المتحنن، ترأف على جبلته وأرسل ابنه الوحيد إلينا فشاركنا في بؤسنا وشقائنا، وعندما تألم هو على الصليب غيّر معنى الألم جاعلاً إياه أداة للتطهير والخلاص. لذلك لم يعد ألم الشغل وتعبه المضني عقابًا ولعنة بل أصبحا اشتراكًا في صليب يسوع وواسطة للفداء. فالذي يحتمل تعب شغله اليدوي أو العقلي بصبر ومحبة إنما يشترك في ذبيحة يسوع على الصليب، تلك الذبيحة التي نقدمها في كل قداس إلهي، ويساهم معه في افتداء العالم. وهكذا نفهم قول ذاك العامل المسيحي الشاب الذي كان يشتغل في صناعة المعادن وكان كل ما أتم قطعة يرفعها إلى الرب بشكر ويقدمها له قائلاً: “هذه هي مساهمتي الحية في القداس الإلهي…”.

 

 

2- يسوع العامل:
هذا هو المعنى المسيحي للعمل ولكن هذا المعنى يزداد سموًا ووضوحًا عندما نفكر في علاقة يسوع المباشرة بالعمل اليدوي. “لقد شاء الرب يسوع أن يطلّ على العالم بوجه عامل” (الأب جورج) وقد أراد أن يشارك العمال في حياتهم الوضيعة المتعبة، فقام مدة عشرين سنة أو أكثر بعمل النجارين في مدينة الناصرة خاضعًا ليوسف متعلمًا منه المهنة بالضبط كما يتعلم إخوتنا العمال الصغار مهن النجارة أو السكافة أو الميكانيك أو غير ذلك… تصوروا يديه الإلهيتين تعملان “بالفأرة” و”المنشار” و”المطرقة” وقد قست جلدة كفيهما من الاحتكاك المستمر بالأدوات، تصوروا العرق يتصبب من جبينه الإلهي وتأملوا كيف رفع يسوع شأن ذاك العمل اليدوي الذي كان الأقدمون يحتقرونه معتبرين أنه عمل يليق بالعبيد وحدهم.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share