مع تساؤلات المرشدين – قضايا وحالات تربوية – منشورات النور – الطبعة الأولى – 1991

mjoa Tuesday October 7, 2008 325

maatassaouletهذا الكتاب حصيلة مداخلات بعضها شفهية وبعضها خطية قدمتها جوابًا عن تساؤلات تربوية طرحها عليّ مرشدون من حركة الشبيبة الأرثوذكسية ومدارس الأحد الأرثوذكسية من مختلف مناطق لبنان وسوريا ممن يهتمون برعاية مختلف الأعمار من الثالثة والنصف إلى حوالي العشرين ويهتمون بإعطاء الأطفال والفتية والشباب تربية دينية تقترن بتربية إنسانية شاملة فتلهمها وترتكز إليها بآن. وقد كانت مناسبة تلك المداخلات إما حلقات تدريبية تعقد لهؤلاء المرشدين أو مراسلات شخصية يجريها معي بعضهم.

 

.

الملاحظ أن أسئلة المرشدين، أيًا كان مصدرها، تلتقي حول الكثير من النقاط، مما يوحي بتشابه في الهواجس والمشاكل. وقد عمدنا إلى تبويبها، موزعين إياها على سبعة أقسام يتضمن كل منها عددًا من الفصول. وقد حرصنا على إثبات نص السؤال كما ورد، بما يحمله من ملاحظات تربوية متفاوتة الدقة والغنى، وبما يوحي به من معاناة، واتبعناه بجواب عنه استرجعنا فيه مضمون الجواب الذي أعطي في حينه، مع ما اقتضى الأمر أحيانًا من تنقيح وتوسيع. كما أننا أدرجنا في كثير من الأحوال لوائح مراجع تتناول إحدى نقاط البحث وتسمح للقارئ بالاستزادة، إذا شاء، حول موضوع يشغله بنوع خاص. وقد توخينا من وراء ذلك كله أن يكون الكتاب بمثابة موسوعة صغيرة يستطيع المربي أن يراجعها ليجد فيها الموضوع الذي يطرح ذاته عليه في سياق عمله التربوي ويعثر فيها على بعض عناصر الجواب عما يشغل باله من تساؤلات حول هذا الموضوع وعلى عناوين مراجع قد يعود إلى بعضها ليصبح أكثر إلمامًا بالمسألة المذكورة. هذا ونأمل أن يجد القارئ في الفهرس الموسّع الذي وضعناه، دليلاً يهتدي به إلى الموضوع الذي يهمه.

إلهام الكتاب إنجيلي وإنسانوي بآن، والهاجسان لا يفترقان بنظرنا. وقد رأينا في تلازمهما خير سبيل لتبديد الازدواجية المصطنعة، التي لمسناها في بعض الأسئلة، بين اهتمامات “دينية” واهتمامات “حياتية”، والتي تفسر بنظرنا، إلى حد بعيد، ملل الشباب من المواضيع “الدينية” الذي يشكو منه المرشدون. فبروح الإنجيل طلبنا أن تبحث سائر المواضيع الدينية لئلا تجنح، ولو بأحسن النوايا، عن صورة الله كما تكشف لنا في يسوع المسيح، وهي صورة إله ربط ذاته بالإنسان وجعل هاجسه أن يساعده على تحقيق ملء إنسانيته، إلى صور أخرى يتشوه بها الله والإنسان معًا وتزداد خطورتها من حيث أنها تنطبع في أذهان وقلوب كائنات طرية العود تتلقاها في طور نشوئها وقد ينحرف من جراء ذلك مجمل توجهها الديني والإنساني. ولكن الإنجيل لا يلهم فقط، بنظرنا، مضمون التعاليم الدينية، ولكنه يوجّه نمط التعامل بين المربي وبين الأحداث الذين يتعامل معهم. هنا تلتقي النفحة الإنجيلية مع روح ما يسمى بـ”التربية الجديدة” أو “التربية الناشطة”، وهي ذلك التيار التربوي الذي برز في عصرنا وساهم في تجديد سائر مفاهيمنا التربوية بتأكيده على حاجات الطفل والكائن الفتي بدل التركيز على حاجات المربي وتخطيطه المسبق، كما وبتأكيده على ضرورة إشراك الحدث في عملية تربيته بحيث يتحول من منفعل إلى فاعل ومن متلقن إلى مكتشف، فتتحول التربية من جراء ذلك من معلومات يختزنها دون استيعاب فعليّ وقوالب سلوكية يتمثلها دون اقتناع صميم إلى عمل تغييري يتثقف به عقله وتتهذب وتترقى مشاعره وميوله وتنبني شخصيته وتثرى. وقد رأينا أن يقوم عمل المرشد كله على هذا التفهم للأحداث الذين بعهدته وعلى إطلاق مبادرتهم إلى ابعد حد.

كما أننا بوحي من الإنجيل ومن تيار التربية الناشطة بآن، أكدنا على ضرورة توطيد الروابط بين أفراد كل مجموعة من مجموعات الأحداث بحيث يسودها التعارف والتعاطف والتعاون، فتتحول من جهة إلى خلية من خلايا ملكوت الله ومن جهة أخرى إلى بؤرة حياة تنعش وتحرّر وتهذّب وتنمّي كل فرد من أفرادها، بمن فيهم المرشد نفسه الذي يُطلب منه أن يكون، لا فوق المجموعة، بل في وسطها، يشغل فيها موقع القلب النابض الذي يمدّ الجسم كله بالحياة ويتلقى منه بالمقابل مدًا محييًا. هذه الفرقة المتحابة، المتعاونة، المتفاهمة، التي هي بآن معًا ورشة عمل ومكان للتعايش الودّي، أكدنا على دورها مرارًا – إنطلاقًا من تأملاتنا وخبراتنا- ورأينا فيها الأداة التربوية الرئيسية وعنصر جواب بالغ الأهمية عن الكثير من المشاكل التي تعترض المرشدين. هكذا يلتقي في كتابنا ويتضافر روح الإنجيل، إنجيل الحرية والمشاركة، مع روح أساليب “التربية الناشطة” واحترامها البالغ لحاجات الكائن الفتيّ ومبادرته الخلاقة.

الكتاب موجّه أصلاً إلى المهتمين بالتربية المسيحية على اختلاف ميادينهم، ولكنه يهم أيضًا، برأينا، كل من كان له دور في تربية الأطفال والمراهقين والشباب من والدين ومدرّسين وعاملين في مختلف التنظيمات الشبابية، من جمعيات كشفية ونواد شبابية وما شابه ذلك، أيًا كان انتماؤهم المذهبي. إلى كل هؤلاء نرجو أن يقدم هذا الكتاب – الذي هو حصيلة اطلاعنا وخبرتنا التربويين والذي يستلهم معطيات علم النفس الحديث- بعض العون في إتمام مهمتهم الدقيقة. كما أننا نرجو أن يوافونا بما قد يثيره لديهم هذا الكتاب من ملاحظات وتساؤلات. على أمل التعاون في بناء غد أفضل لهذه المنطقة العربية العزيزة كلها والمساهمة معًا في إعداد فجر مضيء يطل على بلدنا المعذّب لبنان بعد ليله الطويل.

طرابلس- الميناء، لبنان، في 28 كانون الأول 1989
ك.ب.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share