طبعات أخرى: منشورات النور – الطبعة الأولى
“وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله الحق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساو للآب في الجوهر، الذي به كان كل شيء”
ويؤكد لنا هذا الفصل أن الابن “مساو للآب في الجوهر” أي أن له الطبيعة الإلهية نفسها التي لله الآب. فكما أن الابن يأخذ عن أبيه الانسان طبيعته الإنسانية، هكذا ابن الله يستمد من الاب طبيعته الإلهية، وكما أن النور الصادر من الشمس له طبيعة الشمس نفسها التي هي نور هكذا الابن الصادر من الآب (وهذا معنى كلمة “مولود”) له طبيعة الآب عينها: “نور من نور، إله حق من إله حق”. وينتج من ذلك أن الصفات الإلهية التي للآب كالأزلية والقدرة على كل شيء والمعرفة التامة والقداسة الكاملة، هذه الصفات كلها هي للابن أيضًا.
الابن صادر عن الآب ولكنه “مولود غير مخلوق”. فالمخلوق يخرج من العدم إلى الوجود بإرادة الله، ولكن ابن الله يصدر من صميم الله الاب نفسه. لذلك فإن هوة تفصل الخالق والمخلوق، أمّا ابن الله والله الآب فهما على الصعيد نفسه لأنهما يشتركان كلاهما في الطبيعة الإلهية الواحدة. البشر يدعون أبناء الله فقط من أجل محبة الله لهم واعتنائه بهم. هذه المحبة تجتاز الهوة التي بين الخالق والمخلوق ولكنها لا تزيلها. أما يسوع المسيح فهو ابن الله بطبيعته أي أنه بحد ذاته في وحدة كاملة مع الآب ولذلك دعي “ابن الله الوحيد”، أي أنه وحده ابن الله بالمعنى الكامل لهذه العبارة بينما نحن لا ندعى أبناء الله إلا لأن محبة الله تتبنانا رغم الهوة السحيقة بين طبيعة الله وطبيعتنا المخلوقة.
والمخلوق يبدأ في الزمن أي أنه يكون غير موجود من قبل ثم في لحظة معينة من الزمن يظهر في الوجود. ولذلك يكون الابن البشري في البدء دون أبيه لأن أباه سبقه في الوجود واكتسب بنموه ما لم يكتسبه الابن بعد. أما ابن الله فلم يكن زمن لم يكن موجودًا فيه. النور صادر من الشمس ولكن لا شمس بدون نور، كذلك الفكر صادر عن العقل، ولكن لا عقل بدون فكر. هكذا الابن مولود من الآب ولكن لا آب بدون ابن. وجود الابن إذَا ملازم لوجود الآب كما وجود النور ملازم لوجود الشمس ووجود الفكر ملازم لوجود العقل. وبما أن الآب لا ابتداء له أي أزلي لأنه أصل كل شيء ولا أصل له، كذلك الابن أزلي مثله: “مولود من الآب قبل كل الدهور”.