أ- الطالب في الدعوة الحركية:
ان الدعوة الحركية توجه إلى الطالب من حيث أنه شاب أولا ومن حيث أنه طالب ثانيًا. فالدعوة الحركية، التي ليست هي في الأساس سوى دعوة الرب الدائمة إلى التجدد الروحي في الفرد والمجموع، تنسجم كل الانسجام مع متطلبات الشباب وقيمه الرائعة وحاجاته العميقة. إنها تلائم حيوية الشاب الفياضة وحماسه الملتهب وحبه للمغامرة والأخطار إذ أنها تدفع به إلى المغامرة الروحية الكبرى، مغامرة الدخول العنيف إلى ملكوت الله الذي يؤخذ اغتصابًا كما يقول الرب يسوع.
إنها توافق مثالية الشباب وتحسسه العميق للقيم السامية إذ إنها تطلب منه أن يهب ذاته لذاك الذي هو الينبوع الأزلي المطلق غير المتناهي للحق والخير والجمال وتدعوه ليجاهد حتى الموت لتحقيق أسمى غاية ألا وهي ملكوت المحبة والنور والسلام والفرح والحياة – الذي يبدأ من هذه الأرض – إنها تنسجم مع رغبة الشاب في تكوين شخصيته وإثباتها إذ تقدم له الرب يسوع موحدًا وموطدًا لكيانه المجزأ وتعطيه فرصة لهذا الالتزام الكلي الذي يصبو إليه الشاب بملء جوارحه لأنه وحده قادر أن يوحد كيانه وينقذه من التبعثر.
أن الدعوة الحركية إذًا تتوجه إلى كل تلك القوى الفتية التي تغلي في عروق الطلاب، طالبة أن توضع كل قوى وقيم الشباب في خدمة الرب الذي يمكنه وحده أن يحقق رغبات الشباب العميقة ويحفظه من الذبول. لذلك شعر الشباب منذ تأسيس الحركة حتى الآن بانسجام الدعوة الحركية مع متطلبات كيانهم الفتي، فانشدوا: “لقد رأينا، ونحن في العشرين من العمر، أجمل أحلامنا”.
ولكن الطالب شاب مثقف ولذلك تتوجه إليه الدعوة الحركية بمطالب خاصة:
1) يُطلب منه أن ينمي مواهبه الفكرية التي أعطاه إياها الله ليتقرب من ذاك الذي هو المعرفة المطلقة ومصدر كل علم، ذاك الذي على حد تعبير المزامير، “يعلّم الناس العلم”. لقد كان الفيلسوف مالبرنش Malebranche يقول: “إن الانتباه هو صلاة العقل” وهذا القول يمكن أن يطبق على الدراسة إجمالا، فإذا مارسها الطالب الحركي بجد وامعان وتعطش إلى الحقيقة، فإن دراسته تصبح امتدادًا إلى ينبوع المعرفة، إلى الله، أي أن دراسته تصبح عندئذ صلاة.
2) يُطلب منه أن ينفتح إلى الأمور والقضايا الروحية ليس فقط بقلبه وإرادته بل بفكره أيضًا لأن الله حياة ولكنه أيضًا حق وهو الحقيقة المطلقة. لذلك فعلى الطالب الحركي أن يكتسب ثقافة دينية متينة مبنية على دراسة رصينة لنصوص الكتاب المقدس وللآباء والكتب العقائدية وسائر الكتب الدينية ذات المستوى الرفيع والأبحاث الفلسفية ذات الوحي المسيحي والمؤلفات الأدبية من شعر وروايات وتمثيليات ذات وحي مسيحي ، ولا يجب أن ينسى الطالب الحركي أن الثقافة الدينية الصحيحة تتطلب لتُستوعب تمامًا أسسًا من المعرفة الفلسفية والتاريخية لابد من اكتسابها.
3) يُطلب من الطالب الحركي أيضًا أن يحتك بالتيارات الفكرية الحديثة (وبنوع خاص بالماركسية والوجودية) وبالحركات السياسية والاجتماعية التي يتمخض بها عالمنا في هذه الفترة العصيبة من نموه الأليم وبالمشاكل الإنسانية جميعها، ليبحثها بتفهم وتواضع ومحبة، في نور المسيح. هناك كتب دفاعية لا بد من اللجوء إليها لمحاورة غير المؤمنين وتثبيت ذوي الإيمان المتزعزع، ولكن هناك مجابهة أكثر إيجابية للتيارات الحديثة نجدها في كتب الفلاسفة المذكورة أسماؤهم آنفًا الذين مر البعض منهم في الإلحاد قبل أن يهتدوا إلى المسيحية . على كل يُطلب من الطالب الحركي أن يكون في احتكاكه بالتيارات غير المسيحية منتبهًا إلى كل ما في التيارات من نواح إيجابية ومن حقائق جزئية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار ويمكنها أن تساعد على إغناء النظرة المسيحية إلى الكون.