في هذا اليوم، وقد التأم شملنا لنعيِّد معًا للذكرى الحبيبة، يجدر بنا أن نتأمل في معنى العيد بالنسبة لنا، عله يتجاوز هكذا التذكار ليصبح منطلقًا نحو مستقبل وضاء.
معنى العيد، إخوتي، أنه يعيدنا إلى فكرة التأسيس لنستلهم منها الروح التي أوجدت الحركة. كلّنا يعلم أن هذه الروح كانت روح تجند للنهضة والتزام في خدمتها. هؤلاء الشبان الذين على يدهم وجدت الحركة إنما أرادوا بحماس الشباب وحكمة أعطوها من فوق أن يكونوا خدامًا للنهضة في كنيسة أنطاكية ودعاة لها. وبهذه العبارات يمكننا على ما أظن، أن نوجز هدف الحركة ومعنى العيد ومقتضياته بالنسبة لنا.
نحن المجتمعون هنا. يوم دخلنا الحركة، أو يوم وعيناها، فهمنا أن مبرر وجودنا فيها أن نكون دعاة النهضة وخدامها. هذا ما تعهدناه عندما شئنا أن نكون حركيين. واليوم مناسبة لنا لنستعيد معنى التعهد.
خادم النهضة والداعي لها هو من يعيش النهضة في كيانه. النهضة عمل حياتي والحياة لا تُستمد إلا من الحياة. الحركي لا يمكن أن يسهم في تحقيق النهضة أو أن يدعو إليها، إلا إذا عاشها أولاً في ذاته. وبما أن النهضة التي ننشدها إنما هي اشتراك في غلبة السيد على الخطيئة والموت، فالحركي يحيا النهضة إذا “عرف الرب وقوة قيامته” على حد تعبير الرسول، وذلك بالمعنى الكتابي للمعرفة، أي إذا اتّحد بالرب فَسَرَتْ فيه قوة القيامة وتفجرت فيه طاقة الحياة النابعة من قاهر الموت. عند ذاك يصبح حيًا، متحركًا، خلاقًا، عند ذاك يتحرر من كل قيد وخوف وجمود، عند ذاك يصبح شاهدًا للقيامة لأن نورها يسطع فيه وهكذا تصبح حياته دعوة إلى التجدد وإشارة إلى ينبوعه.
ولكن أين نحن من ذلك؟ هذا العيد مناسبة لاِمتحان القلب، فيرى كل واحد منا أنه لا يزال بعيدًا عن تلك النهضة التي أفتُرض به أن يكون لها خادمًا. إننا لا نزال إلى حد بعيد أسرى أهوائنا، مقيَّدين بسلاسل عاداتنا، ننتظر أن نُدفع دفعًا إلى الأمام، نعطي كأننا مغلوبون على أمرنا بينما “الله يحب الذي يعطي بفرح “على حد قول الرسول، نُجرّ جرًا، وكأن خطايانا قد حكمت علينا بجمود مريع. نشاطاتنا الحركية نتممها أو نسهم بها في كثير من الأحيان بصورة شبه روتينية فتوشك أن تتحول إلى نوع من الاصطلاحات الاجتماعية وتوشك الحركة أن تصبح بالنسبة لنا مجرد مجتمع مهذَّب، منظَّم، ألِفناه واعتدنا إليه وأفرغناه من طابعه الخاص ومتطلباته الملحاحة. وهكذا نتمركز في الحركة كما حاول بطرس أن يتمركز على جبل التجلي طالبًا من الرب السماح له أن يصنع مظالاً يسكن فيها هناك مع رفيقيه متمتعًا بالرؤية الروحية كما يتمتع المرء بمنظر جميل دون التزام من قبله.
من أراد أن يكون خادمًا للنهضة عليه أن يعيشها في ذاته. ولكي يحياها يجب أن يمرّ بسرّ الصليب الذي وُجد هذا الصيام الأربعيني ليضعنا في قلبه. ذلك أن الرسول بعد أن قال “لأعرفه وقوة قيامته”، أضاف “متشبهًا بموته”. لن ينبلج فينا فجر القيامة إلا إذا اجتزنا ظلمة الموت عن أنفسنا، إذا تخلينا عن عشق “الأنا” وعن تأليه إرادتنا الذاتية. إذا قبلنا أن ننحدر إلى هذه الأعماق، فلن نكون فيها وحدنا “لأنني إن مشيت في وادي ظلال الموت لا أخاف سوءًا لأنك معي”، بل نلاقي فيها الرب المصلوب حُبًّا بنا ونغرف من الحياة النابعة من جنبه المطعون ونشاركه الغلبة.
إن الدرس البليغ الذي نجنيه من عيدنا هذا والذي لا تفتر الكنيسة من ترديده على مسامعنا في خدم الصوم المبارك هو أن نعود بلهفة إلى سيد حياتنا متعطشين إليه في جفافنا كالأرض إلى المطر، حتى إذا تدفق فينا ماؤه الحي “يخضرّ بنا الربيع، ربيع النهضة” كما كان ينشد في فجر الحركة شبان سحر قلوبهم بهاء الرب الناهض في أنطاكية.
عيد الحركة 1964
ك.ب.