تأمل حول يوحنا المعمدان

mjoa Thursday October 30, 2008 425

 

في اليوم السابع من شهر كانون الثاني، أي اليوم الذي يلي عيد الظهور الإلهي، تعيد الكنيسة لمن كان له دور بشري رئيسي في حادثة الظهور هذه فتقيم تذكاراً جامعًا ليوحنا المعمدان. لذا يجدر بنا أن نتأمل في تلك الشخصية الفريدة التي أعطيت في الإنجيل وفي الكنيسة مكانة خاصة.

الملاك”: رسالة يوحنا قد حددها العهد الجديد بتطبيقه عليه نبوة من العهد القديم: “ها أنذا أرسل أمام وجهك ملاكي ليهيء طريقك قدامك” (متى 11: 10، مر 1: 2). وإذا عدنا إلى نص النبوة الحرفي في ملاخي نقرأ: “ها أنذا أرسل أمام وجهي ملاكي فيهيء الطريق أمامي” (ملاخي 3: 1).

.

واستبدال ضمير المتكلم بضمير المخاطب هنا دليل إلى المساواة التامة الكائنة بين الآب والإبن. يوحنا كان إذا “الملاك” (والعبارة هذه تعني المرسل) الذي أتى ليهيء الطريق أمام الرب، ليمهد سبل ملكوت الله الآتي بالمسيح إلى البشر. ولذا نرى الكنيسة تمثله في ايقوناتها مجنحاً كالملائكة الذين شابههم بكونه مثلهم “ارسل للخدمة من أجل العتيدين أن يرثوا الخلاص” (عب 1: 14): “كان انسان مرسل من الله اسمه يوحنا” (يو 1: 6).
“السابق”: لقد أُرسل يوحنا ليمهد الطريق للربّ، “ليسير أمامه” (لو 1: 17). ولذا دعي “السابق” وشبهته الكنيسة “بالكوكب السحري السابق الشمس”. ان أنبياء العهد القديم كلهم كانوا على صورة ما سابقين للمخلص. يشيرون اليه بصور ورموز من أعماق العصور. أما يوحنا، فلأنه كان خاتمتهم، فقد حظي بأن يرى بعين الجسد ما رآه الأنبياء السابقون بعين الروح فقط، وأن يشير اليه بالبنان وأن يلامس هامته بيده.

 

“الصابغ”: ولأن يوحنا كان يمثل العهد القديم بأفضل مظاهره، فقد شاء الرب أن يتقبل منه المعمودية – ذلك التطهر الرمزي- “لكي يتم كل برّ “العهد القديم )متى 3: 15) أي لكي يدخل في رموز العهد القديم بتواضع الفادى، جاعلاً نفسه مع الخطأة، فيحول بقوة الفداء تلك الرموز إلى حقيقة والظلال إلى نور، ومعمودية الماء إلى “معمودية الماء والروح” التي بها يتجدد الإنسان في أعماق كيانه. لقد كان يوحنا خادماً لهذا السرّ الذي أذهله فشاهد الروح منحدراً على الإبن الحبيب وحاضناً الماء ليجدد به الخليقة كما حضنه عند الخليقة الأولى ليبث الحياة فيه. ولأن الرب قد شاء أن يحني هامته أمام يوحنا ليتقبل المعمودية منه، استحق السابق لقباً آخر هو لقب “الصابغ”.

 

“المنادى بالتوبة”: ولكن يوحنا كان قبل ذلك بدأ يمهد الطريق للمسيح. كان “صوت صارخٍ في البرية: أعدوا طريق الرب، مهدوا سبله”. لقد كان ملكوت الله قريباً، وملكوت الله لا يدخل اليه الا بالتوبة. لذا نادى يوحنا بالتوبة، والتوبة انما هي انسلاخ عن ذهنية الخطيئة وأعمال الخطيئة والسلوك في نهج جديد، ولذا دعا يوحنا إلى “تقديم أثمار تليق بالتوبة” (لو 3: 8). والتوبة تتجلى في السلوك اليومي، في صغائر الأمور وكبائرها، في معاملة الناس، في العمل المهني على أنواعه، ولذا كان يظهر يوحنا مناهج التوبة للعشارين جباة الضرائب قائلاً لهم: “لا تتقاضوا أكثر مما فرض لكم” (لو 3: 13) وللجنود: “لا ترهقوا أحداً ولا تفتروا على أحد وأقنعوا بمرتباتكم لو 3: 14). والتوبة عملية شاقة تتطلب عنفاً روحياً: “ملكوت السماوات يغتصب والمغتصبون يأخذونه عنوة” (متى 11: 12). ولذا كان يوحنا يعنف الناس ليحرك فيهم الضمائر المتحجرة والنفوس المخدرة، فيخاطبهم بقسوة كلها محبة ليدفعهم إلى الخلاص.

 

 

 
“الغيور”: لقد كانت غيرته الملتهبة، غيرة ايليا، لا تتورع من توبيخ الملوك ليتوبوا أيضاً. ولذا فقد كان مصيره مصير الأنبياء الصالحين الذين لم يمالئوا الناس ولم يساوموا على كلمة الله ولكنهم جابهوا بها دون وجل عظماء هذا الدهر. فكان استشهاده مقدمة وصورة المسيح الذي “أكلته (أيضاً) غيرة بيت الله”.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share