خواطر حول فيلم “رجل اسمه بيتر”

mjoa Thursday October 30, 2008 388

A Man Called Peter
مع دجين بيترز وريتشارد ضد، إخراج
 20th Century Fox

شاهدت منذ بضعة أيام عرض الفيلم المؤثر المسمى “رجل اسمه بطرس” ولما كنت عاجزًا عن الحكم عليه من الناحية الفنية رأيت أن أقف على الصعيد الإنساني – النفساني والروحي- لأحصر همي، في هذا البحث، في شخصية البطل ورسالته.

.

شخصية البطل: إن ما يلفت المتفرج لأول وهلة في شخصية بيتر هو روحه الفتية وحيويته المتدفقة. إن هذا الفرح الذي يشع من كل كيانه قد مهد له بلا شك مزاج سليم واتزان نفساني وجسدي قوي، ولكن منبعه الحقيقي أعمق بكثير إذ إنه يتدفق من هذه الإلفة مع الله التي تنوه عنها مقدمة الفيلم عندما حددت حياة بيتر بقولها أنها حياة “رجل عاش بالله مع الله”. لقد أحس هذا الفتى الذي عرف الشقاء والحرمان بأن فرحًا عظيمًا قد اجتاحه عشية إخفاق أليم، عندما أشعره الله بوجوده الداخلّي، ولم يتركه هذا الفرح أبدًأ، فكان يشرق في كل آونة من وجهه الجميل.

 

أما الذي يلفت النظر بعد هذا فهو حب بيتر للحياة. وذلك أن بطلنا لا يزدري بأفراح الوجود، إنه يحب الطبيعة ويعشق الصيد ويغني في جذل أغاني نارية ويجد متعة في الحياة الاجتماعية والأحاديث. وعندما وضع الله الحب في طريقه نراه قد أحب بكل ما في قلبه العذري من قوة واندفاع. ومع ذلك، وفي هذا يكمن سر بيتر، فإن حب الحياة لم يشد هذا الشاب إليها، وأفراحها لم تخمد فيه الفرح الذي يفوقها عمقًا وقوة، فرح الإلفة مع الله، وهذا لأن كل جمال كان، في نظر ذلك المسيحي العجيب، انعكاسًا لوجه الآب وكل فرح وعدًا سريًا بالفرح الذي وحده لا يغنى وكل حب صورة لملكوت المحبة.

 

ولذلك نجد عنده – وهذا أيضًا من متناقضات المسيحية – تعلقًا صادقًا بالحياة وانفتاحًا تامًا لله، في آن واحد. وبينما هو مندلج بكليته في العالم، نراه في الوقت نفسه، وفي كل آونة، منفصلاً عنه، محققًا بهذا القول الإلهي “أنهم في العالم ولكنهم ليسوا من العالم”، ويحتفظ بيتر حيال “صورة هذا العالم الزائلة” بالحرية المقدسة التي لأبناء الله فلا يُستعبد للعالم، لأنه يعطي للحياة معناها وعمقها الإلهيين وهو لذلك، عندما يلقي الموت ظله الرهيب على حياته القصيرة، ينظر إليه آتيًا محتفظًا بذلك الهدوء الذي ينتج عن الإيمان، ومهتمًا فقط بتتميم مهمته التي لأجلها وهبه الله مهلة، وعندما شعر أنه أتمها، نراه في ليلة موته، بين لمعان أضواء المدينة الكبرى التي أصبح رسولها، يشكر الله على ما أعطاه أن يعمل وكأنه يردد الكلمات المؤثرة: “الآن أطلق عبدك أيها السيد…”.

 

وفي هذه الحياة القصيرة المليئة التي عاشها بيتر نجد الحب يحتل مركزًا هامًا فينشأ وينمو في كنف الله. إن روحَي بيتر وكاترينا قد تلاقتا واتحدتا من قمتيهما فقد ترك بيتر لله أمر اختيار زوجة له فلم يخب رجاؤه لأنه بالله وفي خدمة الله بدأ الاثنان يتقاربان، سواء عندما كانت كاترينا تتبع بانتباه ملهوف وانفعال غامض وعظة التي هداها أو عندما ارتجلت أمام مستمعين هازئين خطابًا بليغًا رددت فيه الألفاظ نفسها التي سرّت قلبها وربحت نفسها في آن واحد. وإذ جعل بيتر وكاترينا اتحادهما في الله، فإنهما بدلاً من أن يغرقا في زواجهما ويقبعا فيه، نرى أنه كان لهما حافزًا في حياتهما الروحية.

 ولذلك أيضًا صمد حبهما في وجه ذلك الانحلال الذي كثيرًا ما يقضي على الاتحاد بين شخصين مهما بدا متينًا لأول وهلة، ذلك الانحلال الذي يأتي نتيجة للعادة وللاصطدامات العديدة التي تحدث في الحياة الزوجية اليومية. إن ما أنقذ حب بيتر وكاترينا من الاختناق الذي يقضي على كل مجتمع مغلق لأنانيتين، هو انفتاحه التام لحب أعظم منه بكثير.

 لقد كان الحب في نظرهما حسب قول “سانت اكزوبيري” (Saint-Exupéry) “ليس فقط أن يتطلع الواحد إلى الآخر بل أن يتطلعا سوية في اتجاه واحد”. ولذلك فإن كاترينا بدلاً من أن تحاول احتكار زوجها أصبحت له شريكة أمينة مخلصة في تتميم رسالته. وهكذا استطاع بيتر، لأن حبه كان مركَّزًا في الله، أن يؤكد لكاترينا بثقة مدهشة، أمام الموت المترصد: “ألا تعرفين أن لا شيء يمكن أن يفصلنا”، ولذلك كانت آخر كلمة خاطبها بها بمثابة ميعاد سري للقاء في صبح الحياة الأبدية الباهر.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share