(*) الولد والصلاة الفرديّة

mjoa Sunday November 2, 2008 330

 طُرحت عليّ هذه الأسئلة بمناسبة دورة تربوية عقدها مركز طرابلس لحركة الشبيبة الأرثوذكسية يوم الأحد 26/8/1990، من أجل إعداد مرشدي أسرة الطفولة لقيادة مخيّمات.

 

أولاً: ما هي الصلاة؟
• “نرجو تفسير كلمة “الصلاة”. معناها الروحي وما هي ثمارها بالنسبة للولد” (فرع عفصديق).

 لن أحدثّكم مليًّا عن طبيعة الصلاة. فهذا موضوع قائم بذاته علمتُ أن محاضرة قد خصّصت له في هذه الحلقة. 
 إنما، بشكل مختصر، يمكن القول:

.

أ‌- إن الصلاة ليست مجرّد تحدّث إلى الله، إنما هي تواصل معه.

ب‌- فقد أتحدث إلى آخر دون أن أتواصل معه، وذلك إذا كنت أقول ما عندي دون أن أكلّف نفسي مشقّة الإصغاء إلى ما يقوله الآخر. عند ذاك أكون متحدّثًا إلى آخر دون أن أتحدث معه. أكون “أنا بوادٍ وهو بوادٍ”، ويكون حديثي مجرد مناجاة لذاتي monologue لا تخرجني من دائرة ذاتي ولا تغيّر فيّ شيئًا.

ج- هذا ما يتعرض له المرء في حديث يجريه مع إنسان آخر، ولكن بنوع أخصّ في حديث يجريه مع الله. إذ أنه، في هذه الحال، يخاطب كائنًا غير منظور لا يفرض عليه حضوره فرضًا كما تفرضه الكائنات التي نراها، ما يسمح للإنسان أن يتجاهل فعليًا هذا الحضور ولو كان يناجيه في الظاهر.

د- هذا ما يتعرض له الطفل بشكل خاصّ بسبب ما تتسّم به نفسيته من “أنويّة” égocentrisme، وهي نزعة لا شعورية إلى رؤية كل شيء من وجهة نظر ذاتية بسبب انعدام القدرة على التمييز الكافي بين الذات وما هو خارجها. هذه النزعة غالبة بين الثالثة والسابعة من العمر ولكنها تترك أثرًا في كل مرحلة الطفولة. من هنا أن الطفل، عندما يصلّي، ينزع بكل حسن نيّة إلى الخلط بين وجهة نظره ووجهة نظر الله. وقد عبّر الشاعر الفرنسي Charles Péguy بطرافة عن هذا الموقف الملتبس بقوله عن صلاة الطفل إن هذا الأخير، مع إبدائه الطلب، يقدّم بآن معًا الجواب عنه، ناسبًا إياه إلى الله، وذلك من باب الضمانة. لاحظوا أننا، نحن الكبار، نماثله في كثير من الأحيان، إنما بأقلّ براءَة منه. من هنا أن Péguy يزكّي، باسم الله، صلاة الطفل هذه على ما يكتنفها من وهم، لأن هذا الوهم، على سذاجته، يبطن ثقة عارمة بالله قلّما نتحلّى نحن بها:
“Pour moi, dit Dieu, je ne connais rien d’aussi beau dans tout le monde
Qu’un gamin d’enfant qui cause avec le bon Dieu
Dans le fond d’un jardin,
Et qui fait les demandes et les réponses (c’est plus sûr)… »
( Le Mystère des Saints Innocents, Gallimard, Paris, 1944,p196)

 

هـ- الصلاة إذا استقامت- وهذا ما يتطلب نضجًا وتمرسًا وجهادًا – تسمح بتجاوز أنفسنا لنتجه إلى الله فعلاً لا شكلاً، لننفتح إليه، لنهتدي إلى وجهة نظره هو، لنتحوّل إلى حياته، لنتبنّى أسلوبه في التعامل، لنتغيّر بتقبّل فعله فينا. هذا ما ينطبق على الطفل كما أنه ينطبق على الراشد، ويندرج، لدى هذا وذاك، في صيرورة دائمة واهتداء لا ينقطع.

 

ثانيًا: كيف نعلّم الولد الصلاة الفرديّة؟
 “كيفية تعليم الأطفال الصلاة الفردية” (فرع بطرام)

 المقصود من السؤال، كما فهمتُه: كيف نعلّم الولد أن يتخطى مجرّد ترداد كلمات صلاتية كما يردّد درسًا أو يقوم بفرض، ليبلغ إلى مناجاة شخصية لله سواء عبر كلمات تعلّمها أو عبر كلمات ابتكرها. إن هذا يقتضي منّا:

1- أن نعمل على ردم الهوّة بين الصلاة والحياة وتبديد الشعور الذي كثيرًا ما ينتاب الولد (لا بل والعديد من الراشدين) بان الصلاة قطاع قائم بذاته على هامش الحياة، في حين أن الصلاة هي بمثابة تنفّس الروح، كما قال ألكسي كارّيل ، وينبغي بالتالي أن تضحي طبيعية كعملية التنفّس. إن ردم هذه الهوة يقتضي:

 
  أ- أن نوضح للولد أن بوسعه أن يصلّي في أي وضع وفي أي زمان:
  إليكم، على سبيل المثال توجيهات يقدّمها مربّون لأطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و9 سنوات – وهي مستقاة من الكتاب التالي:
Odile Dubuisson et Jacques Audinet, Prières et récits pour toute l’année. 6 à 9 ans. Livre de l’enfant, ISPC- Cerf- Desclée, 1972.

* في أي وضع نصلّي؟
“يمكنك أن تخاطب الله واقفًا، أو جالسًا أو في فراشك ليلاً قبل أن تنام، يمكنك أن تخاطبه أيضًا وأنت مقرفص قرب سريرك، أو راكع. يمكنك أن تخاطب الله بصوتٍ عالٍ أو في قلبك، دون أن يسمعك أحد”.

* متى تصلّي؟
“يمكنك أن تخاطب الله متى تشاء: مساءً قبل أن تنام، وقد يسهل عليك أن تصلّي في ذلك الوقت أكثر منه في أي وقت آخر؛ في الصباح عندما تستيقظ؛ وفي أي وقت من أوقات النهار، (حتى في الشارع، دون أن يشعر أحد)”.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share