زرت في عيد الصليب احدى المدن، وكانت بالنسبة لي لسان حال العديد من القرى والمدن السورية الأخرى، ففيها أشعلت النيران والمفرقعات طوال الليل تقريباً وكان هذا المظهر الوحيد للعيد بالنسبة لهم.
نعلم أن القديسة هيلانة عثرت على عود الصليب الكريم في مطلع القرن الرابع، فأشعلت النيران على رؤوس الجبال لكي يصل خبر هذا الاكتشاف وينتشر بأسرع وقت ممكن، فإشعال النار من تقاليدنا وليس من تقليد مقدس فلماذا نقدس تقليداً ولا نلتزم ممارسة المقدسات أي صلوات القداس الإلهي وما يسبقه من سحر وغروب .
لا أسمح لنفسي بأن أنقد، ولكنني أوَّصف مارأيت. الناس منتشرون على قارعات الطرق، فشعرت أنني بحاجة للاستيقاظ باكراً قبل ساعات من القداس الإلهي لكي أحجز مقعداً في الكنيسة أجلس عليه في السحر والقداس, ولكن إذا كان المنظر مثيراً للأسى بالنسبة إليَّ، كنت أتمنى لو كان المشهدان متبادلين لكن الواقع كما يقول الإنكليز أجدر احتراماً من عمدة لندن، لذا علينا أن نعرف واقعنا لنعرف خطأنا.
عندما كنت أدرس في المرحلة الإعدادية، درَّستني أمي مادة الديانة، فسَمَّعت لها آيةً “إن اجتمع إثنان أو ثلاثة أكون بينهم”… فأوضحت قائلةً: “إن اجتمع باسمي إثنان أو ثلاثة… أكون بينهم” فالمسيح لا يكون مع اثنين أو ثلاثة يترددون إلى حانة أو يشعلون ناراً هنا ومفرقعات هناك، خصوصاً أننا نترك المسيح مسمراً على الصليب في الكنيسة ونخرج بأجسادنا وأرواحنا لنحتفل على طريقتنا بعيد رفع هذا الصليب.
قد جال على بالي الذهبي الفم, بولس الرسول، الإنجيل بعهديه كيف يصفون الصليب, فليس هو بمنظورنا أداة تعذيب بل هو أداة تقديس لنا.
ولكنني لا أستطيع أن أواري ألمي وحزني الشديدين على ما وصلنا إليه، لن أسأل ما هو موقف المحتفلين من فقير يمر من هنا أو من هناك، الكل يعرف الجواب، ولكن لا بد من أن ننوه أن من يحتفل بعيد رفع الصليب بهذه الطريقة يصلب المسيح بأعماله من جديد، المسيح ليس بحاجة لا إلى المفرقعات ولا إلى النار، بل هو بحاجة لك ولي، بحاجة لروحنا، يا بني أعطني قلبك وأعطني روحك تعال إليَّ لأسكن فيك وتسكن فيَّ أترك وثنية هذا العصر والجأ إلى ربه وربك فهو إله كل الأزمان والأكوان فهو ينضح دماً لك كما على الصليب في كل قداس إلهي، كما أنه يبذل جسده من أجلك، لا تسمح لأحد بأن ينزعك من نفسك، بأن ينتزع من داخلك المسيح.