(*) شهادة إيمان في معسكر اعتقال

mjoa Tuesday November 4, 2008 345

 صدرت سنة 1967 عن منشورات Le Seuil الفرنسية ترجمة لمخطوط روسيّ كان معروفًا آنذاك منذ مدة غير وجيزة في الأوساط الأدبيّة في موسكو، وإن لم يكن قد نشر بعد هناك. الكتاب صدر بالفرنسية بعنوان “الدّوار” Le vertige. كاتبته شيوعية روسية تُدعى إفجينيا غوينزبورغ، كانت من ضحايا “حملات التطهير” التي شُنّت في عهد الطغيان الستاليني، فنكّلت بعدد كبير من الشيوعيّين المخلصين لعقيدتهم.

 

فصح فلاّحات فورونيج
كانت إفجينيا غوينزبورغ مدرّسة للتاريخ وصحفية. أُلقي القبض عليها سنة 1936 بتهمة باطلة، ففُصلت عن زوجها وأولادها وقضت ثلاثة أعوام في سجون رهيبة، ثم نُقِلَت إلى سيبيريا حيث قاست أربعة عشر سنة من الأشغال الشاقّة، إلى أن أُطلق سراحها في عهد خروتشيف وأعيد لها الاعتبار وأعيدت إلى صفوف الحزب. وكانت، عند صدور الترجمة الفرنسية لكتابها، تدرّس في موسكو.
أورد في ما يلي تعريبًا وضعتُه عن النصّ الفرنسي لمقطع من آخر فصل من كتابها المؤثّر الذي صادف رواجًا كبيرًا عند صدوره.

لقد أُرسلت إفجينيا إلى أقصى الشمال الشرقي من سيبيريا، إلى منطقة تُدعى “الغين” (وهي عبارة، بلغة شعب “الياقوت”، تعني “الموت”)، حيث أمرت بقطع الأشجار وسط الصقيع الذي بلغ أربعين درجة تحت الصفر، وكان عليها أن تقوم بهذا العمل الشاق في تلك الظروف المناخيّة البالغة القسوة، وهي منهوكة القوى بسبب ما كان يفرضه نظام المعتقل عليها من حرمان شديد.

وقد فُرض العمل نفسه على فريق من المحكومات السياسيات مثلها، ضُمّ إليه فريق من المجرمات، كما جُمع إليه فريق من الفلاّحات الأرثوذكسيات المؤمنات، اللواتي كنّ يعملن قبل ذلك في إحدى المزارع التعاونية (كولكوز) ثم عوقبن بالحكم عليهنّ بالأشغال الشاقة لأنّهنّ رفضن العمل يوم الأحد.

كان قائد الموقع الذي تعمل فيه إفجينيا ورفيقاتها في البؤس (وهو الموقع المشار إليه ب”الكيلومتر 7″) رجلاً شرس الأخلاق، لا يعرف الرحمة.

في تلك الأوضاع الرهيبة، جرى الحادث الذي شِئتُ إبرازه. وأترك هنا الكلام للكاتبة ترويه بأسلوبها الكثير الحيوية. تقول:
“في ذلك الربيع الذي خيّم عليه خطر الموت، كان مثال الصلابة المعنوية الذي قدّمته الفلاّحات المؤمنات، شبه الأميّات، اللواتي من فورونيج، نجدةً كبيرةً لنا. ففي تلك السنة صادف موعد الفصح في آخر شهر نيسان. كانت الفلاّحات تقمن بالقسط المفروض من العمل، كلّ يوم، وبدون غشّ، وكان إنتاج موقعنا في الكيلومتر السابع يعتمد أساسًا على عملهنّ. لكن، لما طلبنَ السماح بأن ينقطعن عن العمل في اليوم الأول من أعياد الفصح، رفض قائد الموقع حتى أن تصغي إليهنّ.

 ” – سوف نستلحق القسط المفروض من العمل، سوف نعمل ثلاثة أضعاف، لكن إحترم…
 “- إننا لا نعترف بأي عيد ديني. عبثًا تحاولن إقناعي. ستذهبن مع الباقيات إلى الغابة. ولا تعاندن… إنهم، في المعسكر، يضيعون الكثير من الوقت معكنّ، يحررون تقارير ويطلقون الإنذارات… ولكنني، أنا، أحلّ قضاياي بنفسي، مباشرة، وأتحاشى هذا اللغط كلّه. 

 “ثم أعطى الجلف تعليمات دقيقة لجنوده.
 “وقد تسنّى لنا أن نشهد كلّ ما جرى. دفع الجنود الفلاّحات بأعقاب البنادق خارج القواويش التي كنّ يرفضن الخروج منها مردّدات:
“اليوم عيد الفصح، عيد الفصح، العمل اليوم خطيئة.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share