القدس وزمن الرجاء

mjoa Thursday November 20, 2008 351

 ’’ألقى الأستاذ رضوان السيد  هذه الكلمة  في 27/4/ 2004 في الثانوية الوطنية الأرثوذكسية في الميناء،    خلال ندوة أقامتها تعاونية النور الأرثوذكسية للنشر،بمناسبة صدور كتاب ’’القدس‘‘ للمطران جورج خضر، كما    وألقيت في المناسبة إياها كلمة أخرى للأستاذ شفيق حيدر  بعنوان: ’’القدس للمطران جورج خضر‘‘.

 

يقول المطران خضر في مقالةٍ بعنوان: “معنى القدس” (ص 79): المسلمون دخلوا القدس مع صلاح الدين حتى يدخلوا بها إلى الله، ليكونوا هناك فيها شهودًا لنـزول عيسى على الأرض.. القدس انفتاح. القدس تتجاوز القدس. إنها امتدادٌ إلى اللانهاية إلى الأبد والأعلى، إنها معراج”.

.

  ما اخترتُ هذه الفقرة من كلمة بالكتاب للإفتقاد إلى مقالاتٍ أو فصولٍ سياسيةٍ فيه؛ بل لأن هذا هو المعنى الكبير للسياسة في حالة القدس بالذات, فالقدس ليست ملكًا خاصًا لدينٍ معيّنٍ أو ثقافةٍ معيّنة؛ بل هي بالمعنى المادي مِلكٌ لسكانها، وبالمعنى الأخلاقي والروحي بيئةٌ للتلاقي بين الناس على الوداعة والمحبة والسلام. وما يفعلُهُ المتشددون اليهود والصهاينة هي أنّهم يُنكرون هذين المعنيين للقدس: المعنى الأول المتّصل بعلاقة السكّان بالمكان، والمعنى الثاني المتعلّق بالمعنى الأخلاقي السامي لهذه المدينة، ولتلك البيئة.

لقد تصارعت الأمم والأديان على هذه المدينة وعلى معناها قديمًا وبرز الصراعُ الدينيُ بالذات بين المسيحيين واليهود. وقد أدرك العربُ منذ فتحوها أنهم لا يستطيعون الاستئثار بها، ففرّقوا بين المعنى الديني والاخلاقي والآخر السياسي والاجتماعي. العيشُ والإدارةُ والحمايةُ بيد سكّان القدس، وهي مفتوحةٌ للجميع صونًا للمعنى الكبير في الدين والأخلاق، وفي السياسة بهذا المعنى. وما اعترف اليهودُ قديمًا ولا بعد الاحتلال بين عام 1948 و1967 بأيٍ من الحقَّين لا للسكان ولا للأخلاق والأديان. وهذا هو موطنُ النضال ومركزُهُ الآن، بل ومنذ كانت القدس: إعادة الاعتبار لإجتماعها السكاني والمدني والإنساني، وإعادة الاعتبار لها باعتبارها مركزًا للتلاقي الروحي والثقافي والأخلاقي.

 هذا هو المحور الأول لمداخلات المطران جورج خضر على مدى زُهاء الثلاثة عقود ونيّف؛ وهي مُداخلاتٌ جمعها هذا الكتاب في باقةٍ بالغة الجمال والروعة. أما المحور الثاني، في اهتمامات المطران ومداخلاته فيتعلّقُ بمكانة القدس في المسيحية، وفي المسيحية الشرقية والأرثوذكسية على الخصوص. هناك في هذا الصدد المعاني الدينية التي تشملُ سائرَ المسيحيين، حيث بشّر السيد المسيح، وحيث سار على درب الجلجلة، وصُلب وقام قاهرًا الموتَ بالموت، وفاتحًا طريق الفداء والخلاص، كما هي العقيدةُ المسيحيةُ، وكنيسةُ القيامةٍ شاهدٌ على ذلك، إلى جانب المعالم والمواطن الأخرى التي يتابعها كلُّ مسيحي من خلال نصوص الأناجيل. ثم هناك فيما يتصل بالمعنى الديني أيضًا البُعد النشوري المتصل بعودة المسيح إلى القدس، قبل يوم الدين. كلُّ ذلك موطنُ إجماعٍ مسيحيٍ، ومن أجل هذا الأهمية الفائقة للقدس في الاعتقاد المسيحي كانت الحروب الصليبيةُ، أيّا يكن رأي المؤرخين في شكلِها الخفية والظاهرة.

لكن للقدس معناها الخاصّ لدى المسيحيين الشرقيين والأرثوذكس بالذات. فقد عانى المسيحيون الشرقيون والعرب كثيرًا من أجل صَون المعنيين السالفَين للقدس في عمليات الصراع عليها مع الإتجاهات الأخرى في المسيحية، ومع اليهود قبل وبعد قيام دولة إسرائيل المغتصِبة على أرض فلسطين. فقد أراد الكاثوليك الغربيون قديمًا وحديثًا، واليهود قديمًا واليوم، في سياق الصراع على المشروعية الدينية والسياسية، إضعافَ الأرثوذكسية المقدسية والفلسطينية أو إزالتها كليًا. وفي سياق هذا المحور الثاني، المعنى والمشروعية للمسيحية العربية والأرثوذكسية، يتدخّل المطران خضر مرارًا كثيرةً، ليس للتذكير بالحقّ وحسب؛ بل ولإيضاح المشاركة في مصائر القدس باعتبارها جزءًا من الإيمان الأرثوذكسي، وجزءًا في الوقت نفسه من تاريخ المعاناة، ومن وقائع الضعف التي طرأت على الأرثوذكسية نفسها؛ فكانت بين أسباب المأزق الحالي؛ الدينية والإجتماعية السكانية، والثقافية والسياسية.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share