يبدأ النص الانجيلي بالحديث عن تقدمة يسوع للهيكل بحسب ما هو مكتوب في ناموس الرب. الا ان الشريعة فرضت على المرأة التي وضعت مولودا جديدا ان تقدم شاة وحمامة لتطهر من نجاستها: “وكلم الرب موسى قائلا كلِّم بني اسرائيل قائلا: اذا حبلت امرأة وولدت ذكرا تكون نجسة سبعة ايام… ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يوما في دم تطهيرها… ومتى كملت ايام تطهيرها لأجل ابن او ابنة، تأتي بخروف حوليّ محرقةً وفرخ حمامة او يمامة ذبيحة خطية الى باب الاجتماع الى الكاهن، فيقدّمها امام الرب ويكفر عنها فتطهر من ينبوع دمها… وان لم تنل يدُها كفاية شاة، تأخذ يمامتين او فرخي حمام، الواحد محرقة والآخر ذبيحة خطية فيكفر عنها الكاهن فتطهر” (لاويين 12). كل شرائع التطهير من النجاسات لم يبق منها شيء في العهد الجديد. دم المرأة عندنا لا ينجّسها.
ايضا الشريعة لا تفرض تقدمة الطفل الى الهيكل كما فعل يوسف ومريم، ولكنها تطلب افتداءه: “كل بكر انسان من اولادك تفديه… لذلك انا اذبح للرب الذكور من كل فاتح رحم، وأَفدي كل بكر من اولادي” (خروج 13 :13-15)، وتعلن ان كل ذكر فاتح رحم يخص الرب: “قدِّسْ لي كل بكر كل فاتح رحم من بني اسرائيل من الناس ومن البهائم، انه لي” (خروج 13: 2). هذا الافتداء لم يكن مرتبطاً بالهيكل، ويتم، خلال الشهر الذي يلي الولادة، بدفع خمسة شواقل: “كل فاتح رحم من كل جسد يقدمونه للرب من الناس ومن البهائم يكون لك، غير انك تَقْبله حسب تقويمك فضة خمسة شواقل على شاقل القدس، هو عشرون جيرة” (عدد 18: 16).
هدف لوقا الانجيلي من هذا النص ليس تتميم الشريعة بل تقدمة يسوع الى الهيكل -الذي لم تفرضه الشريعة- والتي يشبهها لوقا بتقدمة صموئيل: “لاجل هذا الصبي صلّيت فأَعطاني الرب سُؤلي الذي سألته من لدنه. وانا ايضا قد اعرتهُ للرب. جميع ايام حياته هو عارية للرب” (1صموئيل 1: 27-28). فيوسف ومريم يقدمان يسوع الى الهيكل للدلالة على ان هذا الطفل منذور للرب.
وفي هذا النص هناك سمعان وحنة، وهما يلعبان دور الشاهديـن اللذين تفرضهما الشريعة: “لا يقـوم شاهد واحد على انسان… على فم شاهدين او على فم ثلاثة شهود يقوم الامر” (تثنية الاشتراع 19 :15). فسمعان وحنـة هـما الشاهـدان على ان هـذا الطـفل الـذي قدمه والداه الى الهيكل هو الذي سوف يخلّص اسرائيل.
“الآن تُطلِقُ عبدَكَ ايها السيد على حسب قولك بسلام، فان عينيَّ قد أبصرتا خلاصك الذي اعددتَهُ امام وجوه جميع الشعوب نور إعلان للامم ومجدا لشعبك اسرائيل”. اخذ سمعانُ يسوعَ بين يديه وباركه وأنشد نشيدا لله. فسمعان يستطيع الآن الموت بسلام لانه قد عاين الخلاص الذي اعدَّه الله لشعبه ورأى هذا الخلاص في الطفل يسوع -كلمة يسوع تعني “الله يخلّص”-. هذا الخلاص لشعب اسرائيل، لكن جميع الامم سوف تحصل عليه. فيسوع هو “نور اعلان للامم” اي نور العالم، وهذا القول مأخوذ من صورة “عبد يهوه” عند اشعياء: “فقال قليل ان تكون لي عبدا لإقامة اسباط يعقوب وردّ محفوظي اسرائيل. فقد جعلتُكَ نورا للامم لتكون خلاصي الى اقصى الارض” (اشعياء 49 :6).
“وباركهما سمعان وقال لمريم امـه: ها ان هـذا قد جُعـل لسقـوط وقيام كثيرين فـي اسرائيـل وهدفـا للمخالفة، وانتِ سيجوز سيف في نفسكِ”. سوف يقـدم يسوع الخلاص لكل شعبـه، فعلى كل واحد أن يتخذ قراره، الرفض او القبول، فالله لا يجبر احدا على قبول ما يعرضه عليهم. كلام سمـعان هو نبوءة لأن يسوع سيكون هدفـا لخلاف في اسرائيل، سيعارضه الناس ويقاومونه. فكثيرون سوف يسقطـون بسبب رفضهم له، وكثيرون سيخلصون لانهم قبلـوه. اما السيف الذي سيجوز في نفس مريم فهو رؤية ابنها منبوذا ومرذولا من شعبه. ويمكن اعتباره ايضا رؤية يسوع مسمَّرا على الصليب.
اما حنة فقد تصرفت مثل سمعان فأنشدت نشيد شكر لله، لانها رأت الخلاص في يسوع الذي سوف يفدي اورشليم.
“رجعوا الى الجليل الى مدينتهم الناصرة”. تعود بنا نهاية هذا النص الى يوسف ومريم اللذين تمما الشريعة، ورجعا الى الجليل من حيث اتيا (لوقا 2: 4)، وحيث سوف يبدأ يسوع رسالته: “ورجع يسوع بقوة الروح الى الجليل، وخرج خبرٌ عنه في جميع الكورة المحيطة” (لوقا 4: 14). “وكان الصبي ينمو ويتقوى ممتلئا حكمة، وكانت نعمة الله عليه”، فنمو المسيح بالحكمة سوف يظهر من خلال تتميم مشيئة الآب والخضوع لها وهذا سيتم على الصليب.