لن تغفر اليهوديّة للمسيح ولن نغفر لها صلبه

الأب جورج مسّوح Sunday March 1, 2009 181

ليس مستغربًا أن يتهكّم اليهود على السيّد المسيح وأن يعيّروه بشتّى الأوصاف المشينة. فهم منذ أن صلبوه لم يندموا على ما فعلوه به من جلد وتعذيب وتكليل بالشوك وتبجين بالمسامير. وتروي الأناجيل أنّ الذين شاهدوا صلبه من اليهود كانوا يشتمونه ويجدّفون عليه ويسخرون منه ويهزّون برؤوسهم هزءًا به وبتعاليمه.

لن نميّز في هذه المقالة بين اليهوديّة والصهيونيّة، فكلاهما واحد في النظرة إلى المسيح. وما تقوله اليهوديّة عن المسيح وأمّه في تلمودها يفوق كلّ لسان شتّام. فالمسيح “ابن زنا” و”ساحر” و”كذّاب”، وأمّه مريم “زانية” و”خائنة”. فكيف نستغرب بعد ذلك ان يهزأ برنامج تلفزيونيّ إسرائيليّ من المسيح وأمّه؟ هذه أخلاقهم منذ ألفي عام، فكيف تريدونهم أن يستبدلوها اليوم بأفضل منها؟ أليست ديانتهم المستكبرة على أمم العالم كافّة هي مَن سوّغ لهم التهكّم على المسيح وأمّه؟

لا شكّ أنّ العداء الذي تكنّه اليهوديّة للمسيح كبير جدًّا. فهي لم تغفر له تعاليمه التي تدين الذهنيّة اليهوديّة المنغلقة على ذاتها، ولم تغفر له إدانته للطبقة الكهنوتيّة اليهوديّة وتعاملها الحرفيّ مع الشريعة وإغفالها لروح هذه الشريعة أي الرحمة، ولم تغفر له محاولته إصلاح الديانة اليهوديّة، ولم تغفر له توبيخه لعلماء الشريعة وللفرّيسيّين والصدوقيّين ومختلف الفرق اليهوديّة. لقد أدركت اليهوديّة أنّ المسيح لم يأتِ ليتمّم الشريعة كما هي، بل أتى ليتمّم الشريعة بقراءة جديدة توجزها كلمة واحدة هي “المحبّة” كما شهد الرسول يوحنّا اللاهوتيّ في إنجيله. أدركت اليهوديّة خطره عليها وعلى مستقبلها فتآمرت عليه وقتلته صلبًا.

وبطبيعة الحال انتشر هذا العداء اليهوديّ ليشمل كلّ مَن يؤمن بالمسيح فاديًا ومخلّصًا. ويروي كتاب أعمال الرسل قصّة أول شهيد في المسيحيّة، القدّيس إستفانوس، الذي قتله اليهود رجمًا حتّى الموت. وما زال هذا العداء مستمرًّا إلى اليوم، فاليهود لا يطيقون أن يُذكر أمامهم اسم المسيح وأمّه مريم. لذلك حاولوا منذ بداية المسيحيّة أن يصبغوها بصبغتهم وأن يجعلوها مجرّد فرقة من فرقهم العديدة. غير أنّ تصدّي القدّيس بولس الرسول لمحاولات “التهويد” التي استهدفت المسيحيّة الناشئة هو الذي جعلها رسالة عالميّة غير محدودة بقوم واحد هو الشعب اليهوديّ. ومعروف جهاد الرسول بولس ضدّ محاولات فرض الختان على المقبلين إلى المسيحيّة من غير اليهود. لكنّ هذا لم يمنع ظهور بعض الفرق المسيحيّة المتهوّدة التي اعتبرت المسيح مجرّد نبيّ مثله مثل أيّ نبيّ من انبياء العهد القديم، وأنّه قطعًا ليس إلهًا كما تقول المسيحيّة.

أمّا الصهيونيّة، ابنة اليهوديّة البارّة، التي استطاعت إحياء التيّار اليهوديّ في المسيحيّة عبر استغلالها المحرقة اليهوديّة والشعور الأوروبيّ بالذنب، فتلاقي العطف لدى العديد من المنابر ذات الصفة المسيحيّة، إلى حدّ اعتقاد جزء من المسيحيّة الغربيّة بقسميها البروتستانتيّ والكاثوليكيّ بأنّ قيام دولة إسرائيل هو تحقيق لنبوءات وردت في العهد القديم. في المقابل، تستمر إسرائيل، الدولة اليهوديّة بدون أيّ لبس، وتأكيدًا لهذا العداء الراسخ ضدّ المسيحيّين، في طرد أتباع المسيح من أرضه، من فلسطين المقدّسة. وفي رأينا أنّ طرد الفلسطينيّين، مسلمين ومسيحيّين، وتقتيلهم يشكّل إساءة للمسيح أكبر بكثير من الهزء به أو شتمه، فالشتم لن يقلّل من شأن المسيح بل من شأن الشتّامين، بينما قتل بريء واحد يرمي المسيح مجدّدًا على الصليب.

الردّ الأمثل على هذه الإساءات والإهانات لا يكمن وحسب في ردع التلفزيون الإسرائيليّ عن بثّ برامج تتهكّم على المسيح وسائر الأنبياء، بل بمجابهة هذا الفكر الصهيونيّ العنصريّ الممتدّة جذوره في عمق التلمود والفكر اليهوديّين. لقد سقط الكيان الإسرائيليّ أخلاقيًّا منذ تأسيسه لممارسته الأعمال اللاإنسانيّة بحقّ شعب آمن، والإساءة للمسيح تأتي تتويجًا لهذا المسار القبيح. ما فتئنا ننتظر توبة إسرائيل، لكنّ الإناء ينضح بما فيه، والرائحة فاسدة، فإلى متى ننتظر؟

 

الأب جورج مسّوح

“النهار”، 1 آذار 2009

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share