كلمة رئيس مركز طرابلس الأخ نقولا بوشاهين في عيد الحركة

mjoa Monday March 30, 2009 285
سيدي الجليل المتروبوليت الياس (قربان) الجزيل الاحترام،
قدس الآباء الأجلاّء،
رئيس وأعضاء جمعية زهرة الآداب المحترمين،
حضرة رئيس اللجنة الإدارية لمدرسة بشمزين العالية المحترم،
الأخ رينه أنطون – الأمين العام لحركة الشبيبةالأرثوذكسية، المحترم
الإخوة مدراء المؤسسات الكنسية والعاملون فيها المحترمون،
الإخوة أعضاءُ مجالس الرعايا المحترمون،
السادة رؤساء واعضاء الجمعيات الأهلية والكنسية المحترمون،
أيها الإخوة الأحباء،

“صوتُ صارخٍ في البريةِ أعدّوا طريقَ الربّ”.

سبعةٌ وستونَ عاماً مرّت والتحديات هي هي. سبعةٌ وستونَ عاماً وحركة الشبيبة الأرثوذكسية – هذا الصوت الصارخُ ما زالَ يدوّي في بريةِ هذا العالمِ المتمرّغِ في الشهواتِ، الساعي إلى اكتساب الغنائم الدنيوية والمجد الباطل، اللاهث وراء المال وسلطته، المتناسي قولَ الربّ “ماذا ينتفع الإنسانُ لوّ ربح العالمَ كلّه وخسرَ نفسَه”. سبعةٌ وستونَ عاماً والشعلةُ ما زالت ملتهبةً، لم تخبُ يوماً، ولم يخفت نورُها، وكيف لها أن تخبوَ أو أن تخفتَ والروحُ القدس هو من يؤجِّجهُا!.

نقف اليوم أمام “الحدث”، حدثِ إعلانِ حركةِ الشبيةِ الأرثوذكسيةِ في كرسينا الأنطاكي المقدّس، وسحابةٌ من الشهود انتقلوا عنّا إلى الأخدار السماوية واتحّدنا معهم اليوم في الذبيحة الإلهية، عنيتُ بهم: أبانا وسيدَنا المثلث الرحمات المطران بولس (بندلي)، والأخت ماري دروبي، والمرتل الأول الأخ متري كوتيا. نتذكرُهم، وأعمالُهم تقفُ شاهدةً أمامنا فنتعلّمُ منهم أهمية أن يبذل الإنسان نفسه من أجل إخوته. همُ الذين سمعوا وأطاعوا كلمةَ الربِّ القائلِ” مَن عمِل وعلّم فهذا يدعى عظيماً في ملكوت السموات” أعمالهُم، وثمارهم، تشهدُ على أنهم لم يطلبوا يوماً شيئاً من هذه المدينة الفانية بل كانوا ينظرون دائماً إلى المدينة الآتية. فلهم ولجميع المنتقلين عنّا من إخوتنا بالجسدِ الحاضرينَ معنا بالروح نردّد مع صاحب سفر الرؤيا “طُوبَى لِلأَمْوَاتِ الَّذِينَ يَمُوتُونَ مُنْذُ الآنَ وَهُمْ فِي الرَّبِّ! يَقُولُ الرُّوحُ: نَعَمْ! فَلْيَسْتَرِيحُوا مِنْ مَتَاعِبِهِمْ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ تُرَافِقُهُمْ» (رؤ 13:14)
أيها الأحبّاء:
في السادس عشر من شهر آذار عامَ ألفٍ وتسعمئة واثنين وأربعين كانت “عنصرةٌ” جديدةٌ في كنيستنا. دعوتُنا اليوم ونحن نجدّد هذه “العنصرة” أن نكونَ صوتَ يوحنا المعمدان المبشّرِ بالسلامْ، وصراخَه الداعي إلى التوبة، صوتَه المبشّر بالراحة، وصراخَه الذي يدقّ ناقوسَ الخطرْ، صوتَه الذي يَنشد الرحمة، وصراخَه المعلِن الدينونة.

في فترة الصوم الأربعيني المقدّس، هذه الفترةِ المقدّسة، فترةِ الصلاة والصوم والتوبة بامتياز، شاء الربّ أن تكون ذكرى إعلانِ حركة الشبيبة الأرثوذكسية. وكأنّه أراد أن نضع نُصب أعيننا أننا أناس خاطئون دوماً وحاجتنا الوحيدة هي إلى الصلاة والتوبة المستمرة. فبالصلاة والتأمّل في خطايانا، والاعتراف بها، والتوبة عنها، نغلبُ الشريرَ ونستطيعُ أن نعاينَ نورَ القيامةِ البهيّ.
ما يؤلمنا في هذه الأيام أننا نرى هيرودسَ مجدداً يحاول السعي إلى قمعِ هذا الصوتِ النبويِّ، الداعي إلى الحقّ، ويؤلمنا أكثر أنّ هذا السعي جارٍ على أيدي بعض الإخوة ممن نشأوا في صفوف الحركة وتركوا بصماتهم فيها. هؤلاء يحاولون تصويرَ الحركةِ كجسمٍ غريبٍ في الكنيسة وقد غاب عن أذهانهم أنّ هذه الحركةَ التي آلت على نفسِها أن تكون شاهدةً لربّها يسوع قد “ولدت الكثيرين في المسيح”.
لم تسع الحركة يوماً إلى التبشير بنفسها، بل كانت ولم تزل تردد مع بولس الرسول “إني لا أعرف بينكم سوى يسوع المسيح وإياه مصلوباً” وتسعى جاهدة لتهيئة النفوسِ مطارحَ لسكنى الإله فيها.

يا أحبّة:
الحركةُ لا يُحكم عليها من خلال سقطات أعضائها. فما دمنا نعمل، نحن معرّضون للخطأ. أن لا نخطئ يعني أننا أناس لا يعملون. نحن بشر وكلنا يسقط ويقوم وسنبقى على هذه الحال إلى أن يأتي اليومُ الأخير الذي أرجو أن نكون فيه جميعنا قائمين. يوحنا المعمدان دعا إلى التوبة ولسنا نحن “سوى دعاة إليها”. إلاّ ان الحركة التي هي ابنة الكنيسة وحركة الروح فيها لا تعرف السقوط، إنها لا تعرف سوى النقاء والبهاء.
مع ذلك حاشا لنا أن نزكّي أنفسنا. فنحن نعرف أنفسنا جماعةَ خطأةٍ لكننا، في الوقت نفسه، جماعةُ تائبين. لذلك، لن نعبر عن هذا الكلام وكأننا لم نسمعه، بل سنتوقف عنده، ولو أنّ فيه الكثير من التجنّي والتظلّم، باعتباره سبباً يدفعنا إلى إعادة النظر في كلامٍ قلناه، أو مواقف وقفناها، أو تصرفات قمنا بها، ولم تكن دائماً موافقة لرؤيتنا – رؤيةِ حركة الشبية الأرثوذكسية.   
إخوتي الأحباء:
تحدق بنا التجارب من كل ناحية. ولعلّ أخطرَها الفردية. إنّ أي عملٍ نقوم به (من نشاطات واجتماعات، وخلوات روحيّة وحياة داخلية إلخ… ) مهما سمت أهدافه يفقد معناه ويتحوّل إلى دينونة لنا إن لم يكن ترجمة لهاجسٍ جَماعي. حتى صلاتَنا الفردية، على أهميتها، لا قيمة لها إن لم تكن امتداداً لاجتماع الجماعة لا سيّما اجتماعِنا الإفخارستي. إنّ أي عملٍ نأتي به من دون مشورة الإخوة لهو نقص في المحبة. وهذا ما لم تعرفه الحركة في تاريخها يوماً. فالجماعة هي الضمانة الوحيدة لإستقامة الفكر والرأي. “وإذا عمِلنا الحقّ بالمحبّة نَمَوْنا وتقدّمنا في جميع الوجوه نحو ذاك الذي هو الرأس، نحو المسيح: فإن به إحكامَ الجسد كلّه والتحامَه، والفضلُ لجميع الأوصال التي تقوم بحاجته، ليتابع نموّه بالعمل الملائم لكلٍّ من الأجزاء وينبني بالمحبّة”. (أفسس4: 15-16)

أحبّائي:
إن أردنا نهضة حقيقية في كنيستنا فلا بدّ من أن نؤمن بأن الحركة هي فعلاً ابنة الكنيسة ونهضتها. تجسيداً لهذا الإيمان، يجبُ أن لا يقتصرَ عملُنا على الداخل أي على داخلِ صفوفِ الحركةِ، بل أن يتخطاه للمشاركة الفاعلة في كلّ الأنشطة الرعائية. إننا معنيون بشكلٍ مباشرٍ بأي نشاط رعائيٍ وهذا لن يتحقق إلاّ بحضورٍ مشاركٍ فاعلٍ لنا فيه. الرعايةُ السليمةُ أساسُها مشاركةٌ وتفاهمٌ بين الراعي والرعيّة على أساسِ المحبة. نحن نُرعى ونَرعى في الوقت نفسه. فلا استقامة لرعاية من جهةٍ واحدةٍ كأن ننتظر الرعاية من الكاهن فقط، بل نحن مدعوون أيضاً لرعاية آبائنا رعاية البنين لآبائهم. من هنا أدعو إلى تفعيل حضورنا في مجالس الرعايا من خلال رفدنا لها بالعناصر البشرية المؤهلة – وما أكثرها بيننا – عسانا نصلُ جميعاً إلى “ملء قامة المسيح”. “الحصادُ كثيرٌ ولكنّ الفعلة قليلون” فلننهض من سُبَاتِنا العميقْ.

سيدي الجليل، اعذرني إن جرحتُ تواضعَكم، ولكن لا بدّ من شهادة حقٍ تُعلن في هذه المناسبة المباركة لشخصكم الموقر، ألا وهي أنه لم يكن النجاحُ ليُكتب لأي عملٍ قمنا به أو نقوم لولا بركتُكم ودعمُكم وصلواتُكم. وها حضوركم معنا اليوم وفي كل مناسبة يزيدنا شغفاً بالربّ ويدفعنا للمضي قدما لنعلن “بجرأة سرَّ الإنجيل”. أسأل الربّ أن يمدّكم بالعمر المديد وليبق وجودكم بيننا بركة لنا وعضداً.

أختم كلمتي إليكم أيها الأحباء مع الرسول بولس في رسالته إلى أهل كولوسي:
“…فَمِثْلَمَا قَبِلْتُمُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ الرَّبَّ، فَفِيهِ اسْلُكُوا وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمَبْنِيُّونَ فِيهِ وَرَاسِخُونَ فِي الإِيمَانِ الْمُوَافِقِ لِمَا تَعَلَّمْتُمْ وَفَائِضُونَ بِالشُّكْرِ”.
كلّ عيد وانتم بخير.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share