الكتب المقدسة تجيبنا على هذا السؤال:
فقد قال داود النبي ” ضع يا رب حافظاً لفمي وباباً حصيناً لشفتي”
ويقول أحد القديسين ” كثيراً ما تكلمت فندمت، أما في سكوتي فما ندمت قط”
من هنا يتبين لنا أن الصمت يحفظ الإنسان ويخلصه من أخطاء اللسان العديدة، علماً بأن غالبية القديسين فضلوا الصمت واضعين نصب أعينهم القول المأثور ” كثرة الكلام لا تخلو من المعصية”.
أما أخطاء اللسان فلا عد ولا حصر لها، منها الرياء – التملق – النفاق – الكذب – المبالغة – ومنها كذلك التباهي – مدح الذات – الإفتخار – الكلام البذيء – القصص والفكاهات الخليعة، ومن أخطاء اللسان أيضا التجديف والكفر والتذمر على الله، ومنها التعليم الخاطىء والبدع المضلة، ومنها أيضاً الثرثرة، لأن الله تعالى لم يمنحنا اللسان كي نتكلم عبثاً دون أي فائدة، لذا فالإنسان المؤمن يجب أن يفضل الصمت كي يبتعد عن أخطاء اللسان ولكي تتاح له فرصة للصلاة والتأمل لأنه لا يمكن التكلم مع الله والناس في نفس الوقت، وصدق أحد الأباء الروحيين عندما قال ” سَّكِتْ لسانك كي يتكلم قلبك” كما يصف أحد القديسين كثيري الكلام ” كثير الكلام يدل على أنه فارغ من الداخل ” لأن كثرة كلامه جعلته يبتعد عن العمل الروحي في التامل والصلاة.
ولكن قد يتساءل البعض وبحق ” هل كل صمت فضيلة وكل كلام خطيئة” والجواب بالطبع لا لأن هناك أيضاً كلام مفيد ونافع يبعث على الصلاح، فداود الذي أوصى بالإبتعاد عن كثرة الكلام يقول “فاض قلبي بكلام صالح” إذن الصمت هو وضع وقائي يحمينا من النكلم في الأمور المضرة ويدربنا على الكلام النافع، فإذا كان القلب عامراً بالإيمان والنفس نقية من الخطايا والآثام المختلفة حينئذ لا يمكن للكلام الصادر عن هذا الإنسان إلا أن يُعبر عن عالمه الداخلي، فقد قال سليمان الحكيم في وصفه لكلام المؤمنين ” فم الصديق ينبوع الحياة” فقد كان السيد نفسه يُعلم ويعظ والناس يتعجبون من كلام النعمة الخارج من فمه، وأباء ومجاهدون كثيرون في سبيل كلمة الحق كانوا يدافعون عن إيمانهم ولم يقدر أعداء الإيمان من مقاومة الحكمة والروح التي كانوا يتكلمون بها ” فكلام المنفعة هذه هو من الله الذي ينير القلوب والنفوس الملتمسة لنعمته السماوية ورحمته الإلهية، ومن الكلام ا لنافع المفيد كلمة النصح لمن يحتاج إليها وكلمة العزاء للحزانى والمتألمين والتشجيع للمبتدئين الناشئين لكي لا يقعوا في فخ اليأس والقنوط وكلمة التعليم لبناء النفوس والإرشاد إلى الطريق القويم وكلمات البركة والحق والحكمة…. ألخ.
ولكن قد نتساءل إذا كان الكلام نافعاً في بعض الأوقات فهل يمكن أحياناً أن يعتبر الصمت خطيئة، وهل ندان على صمتنا كما ندان على كلامنا؟ والجواب لدى سليمان الحكيم الذي يقول “للسكوت وقت وللتكلم وقت، فإذا كان للتكلم وقت فلا شك أننا سندان إذا صمتنا فيه، فالمؤمن يعرف متى وكيف يتكلم واضعاً لكلامه هدفاًَ نافعاً روحياً وكما أن الله لا يُكلم الناس مباشرة وإنما يكلمهم عن طرق أحبائه من البشر وهو يريد منا أن نكون له شهوداً على الأرض وكثيراً ما أمر الله الناس بالكلام فيرسلهم أحياناً للإنذار وأحياناً للتبشير وأحياناً لإعلان حقه بين الناس، فإن الصمت عن الشهادة بالحق خطيئة ندان عليها، وإن صمتنا معطين المجال للباطل أن ينتشر وينتصر، وإن قصرنا في إنذار من هو بحاجة إلى النصح والإرشاد (فإن رأيت إنساناً يسقط في حفرة وهو لا يدري يطالبك الله بدم ذلك الإنسان). لذا من واجب كل إنسان مؤمن أن يقول كلمة الحق دون خوف وأن يشهد لوصايا الله في العالم.
والله نسال أن يمنحنا أن نعرف ونميز كيف ومتى نتكلم معطياً إيانا الكلمة التي تتفق ومشيئته الإلهية والتي تثمر في قلوب البشر. آمين.