في تذكار القديس عاموص النبي (15 حزيران) ترتل الكنيسة ” أيها النبي العجيب، إن ضياء الروح قد وجد صفاء ذهنك صقيلاً مثل مرآة شفافة جداً. وقد أنار العالم متلألئاً بنور معرفة الله “. وفي 14 حزيران تتوجه هكذا لأليشع : ” افرح يا أليشع…لأنك لما طهرت عقلك من ملاذ الجسد، تقبلت أنوار الروح…فظهرت مستنيراً بجملتك، ومن ثم حللت في النور الذي لا يغرب…” . وفي 12 حزيران عن البار أنوفريوس ” لما اتخذت النور العقلي السماوي في قلبك ظهرت إناء للثالوث السرمدي…”.
تتجاوب هذه الأقوال كالصدى مع الآية ” ونحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغيّر الى تلك الصورة عينها من مجد الى مجد كما من الرب الروح” (2 كو 3 : 18 ) ذلك أن ” الله الذي قال ان يشرق نور من ظلمة هو الذي اشرق في قلوبنا لانارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح” (2 كو 4 : 6 ) وهذا متصل اتصالاً وثيقاً ب”انارة انجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله”(2 كو 4:4). حركة الروح القدس في قلوب المؤمنين تظهر هكذا رافعةً للبرقع المتصل بغلاظة الأذهان (2 كو 3 : 14 ). وفي تحديق المؤمن “في مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة” “يتغيّر الى تلك الصورة عينها ” أي يتماهى أو يتماثل بها identification .
ذلك أنك إذا ” حولت عينيك الى الآفاق الإلهية فنصيبك الاختطاف. ” (المطران جورج خضر، النهار، 13 حزيرن 2009 ). هذا هو النظام الأيقوني كما يسمّيه المطران جورج خضر: “في العهد الجديد النظام لم يبقَ مُجرّد إستماع الى الكلمة فأصبح نِظام رؤيا أي نظام أيقوني … ” .
تكلّم علم النفس التحليلي عن ” مرحلة المرآة ” stade du miroir وفي إحدى جوانبها أن الطفل يركّب نظرته الى نفسه بحسب الصورة التي يراها في عيون أمّه التي تؤدي دور المرآة فينمو نحو هذا المثال.
وقد كشف علم الأعصاب والدماغ دوراً هاما تلعبه فئة من الخلايا الدماغية تسمى الخلايا العصبية-المرآة neurons-miroirs في التقليد والتماثل.
بهذه المفردات يبدوالنظام الأيقوني في العهد الجديد نظاماً مرآتياً حيث قدم الله-المتجسّد لنا نفسه أيقونة أو نموذجاً من جهة، ومن جهة أخرى أصبحنا نرى أنفسنا في عينيه في بهاء الصورة كما يشتاقنا أن نكون فتغدو رؤيته لنا مرآة تحوّلنا الى تلك الصورة عينها.
هذه الرؤيا المرآتيّة (ميرا لوت بورودين ، سر عطية الدموع في الشرق المسيحي) مرتبطة بمعمودية الدموع الغاسلة للنفس والتطابق الواعي مع شخص يسوع المسيح. يقول القديس سمعان اللاهوتي الحديث: ” من لم يلبس بفكره البشري، بوعي وإحساس، صورة ربنا يسوع المسيح السماوي…هو مثل الأكمه الذي لا يمكنه أن يعرف بالعقل وحده نور الشمس” (مقالات لاهوتية وعرفانية ونسكية).
فعلى مقدار ما تصقل مرآة نفوسنا، يحلو للروح أن يتحذها آنية له.