أربع سيّدات انتخبهنّ الشعب الكويتيّ لتمثيله في البرلمان. أربع سيّدات كويتيّات حائزات على شهادة دكتوراه في العلوم السياسيّة والاقتصاد والتربية دخلن البرلمان بعد أربع سنوات فقط على إعطائهنّ حقّ التصويت والترشّح. أربع سيّدات يشكّلن ثمانية بالمائة من البرلمان الكويتيّ يجلسن إلى جانب الرجال للتشريع في قضايا الوطن والناس. وعلى الرغم من أسبقيّة لبنان في إعطاء المرأة الحقّ بالتصويت والترشّح فقد سبقتنا دولة الكويت في ترجمة هذا الحقّ النسائيّ على أرض الواقع.
نافل القول إنّ المرأة اللبنانيّة شهدت تقهقهرًا على صعيد التمثيل النيابيّ. فبعد ستّ نائبات وصلن إلى الندوة البرلمانيّة في الدورة الماضية – وهو العدد الأقصى منذ نشوء لبنان – تراجع عددهنّ إلى أربع فقط في هذه الدورة. صحيح أنّ عدد نائباتنا تساوى بعدد نائبات الكويت، غير أنّ النسبة تتفاوت بين ثمانية بالمائة لصالح الكويتيّات وثلاثة بالمائة للبنانيّات. وكان ينبغي كي تصل المرأة اللبنانيّة إلى مستوى المرأة الكويتيّة أن يكون عدد السيّدات من النواب عشر سيّدات على الأقلّ.
المرأة اللبنانيّة مهضومة الحقوق مع العلم أنّها تقوم بواجباتها كافّة في القضايا الوطنيّة بعامّة، وفي الانتخابات بخاصّة. فقد رأينا المرأة تعمل بجدارة في الماكينات الانتخابيّة وتساهم في الترويج الانتخابيّ وتمارس بكثافة حقّها بالاقتراع. ومع ذلك لم يكافأ جهدها إلاّ بتمثيل يقتصر على أربع سيّدات وحسب. وقد قرأنا في الإعلانات الانتخابيّة الكثير من الشعارات التي تدغدغ المرأة وتستعطفها كأمّ للرجل أو كأخت للرجل أو كشريكة للرجل، لا كقيمة إنسانيّة بحدّ ذاتها. حتّى الإعلان الذي خاطب المرأة بجمالها: “كوني جميلة واقترعي”، لم يرقَ إلى مستوى المطالبة بحقوق المرأة كاملة إذ أغفل أن يقول مثلاً: “كوني جميلة وترشّحي”. وكان أجدر بأصحاب هذا الإعلان، إن كانوا راغبين حقًّا بتفعيل دور المرأة في الشأن السياسيّ، أن يزيدوا عدد السيّدات على لوائحهم الانتخابيّة لا أن يحوّلوا المرأة إلى مجرّد شعار سرعان ما يُبذل في سوق الاستهلاك.
الدستور اللبنانيّ لا يميّز، على صعيد الحقوق والواجبات السياسيّة، بين الرجل والمرأة. وهذا التفاوت في التمثيل لصالح الذكوريّة الفاقعة مردّه إلى الذهنيّة السائدة في مجتمعاتنا الطائفيّة والمذهبيّة كافّة التي تنظر إلى المرأة بدونيّة واستعلاء تساهم فيهما عن قصد أو عن غير قصد المرأة المغلوب على أمرها. المشكلة لا تكمن في الدستور ولا في القوانين بل في بنية العائلة اللبنانيّة بالمعنى القبليّ والعشائريّ للكلمة، وهل هي مجرّد صدفة تسمية الطوائف بالعائلات الروحيّة؟ الدستور لا يميّز بين الرجل والمرأة، لذلك خلاص المرأة يكون بالقانون إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.
ففي ما يخصّ حقوق المرأة سجّل القضاء اللبنانيّ منذ أيّام سابقة جبّارة سيكون لها ثمارها بالنسبة إلى اللبنانيّات المتزوّجات من غير اللبنانيّين، فقد منح القضاء الجنسيّة اللبنانيّة لأبناء مواطنة متزوّجة من أجنبيّ معلّلاً حكمه بالقول: “إنّ المادّة السابعة من الدستور اللبنانيّ ساوت كلّ اللبنانيّين رجالاً ونساءً أمام القانون دونما فرق بينهم (…) لها مثله أن تكسب أطفالها جنسيّتها، إذا تزوّجت من أجنبيّ، مع ما يستتبع ذلك من ترسيخ لرابطة الأطفال ببلد الأمّ”. وكان القضاء اللبنانيّ قد أصدر حكمًا بتاريخ 24 تشرين الأوّل 2007، وبناءً على قانون حماية الأحداث بإيقاف قرار المحكمة الشرعيّة بانتقال فتاة في التاسعة من عمرها من حضانة أمّها إلى أبيها، بعدما تبيّن أنّ هذا الانتقال السريع والمفاجئ يشكّل خطرًا على حياتها النفسيّة والجسديّة على حدّ سواء. وقد أثار هذا القرار لدى المراجع الدينيّة ردود فعل متفاوتة وتساؤلات حول تضارب الصلاحيّات بين المحاكم الدينيّة والمحاكم المدنيّة.
ليس للبنانيّات في الوقت الراهن من بارقة للأمل سوى القضاء المدنيّ الذي يحترم الدستور ومساواته للمرأة بالرجل بكامل الحقوق والواجبات. السياسة لم تنفعهنّ، القضاء سوف يعيد لهنّ حقوقهنّ، فليلجأن إليه.
الأب جورج مسّوح
“النهار”، 21 حزيران 2009