تستوقفك أيقونة الشفاعة أو الصّلاة كما يصلح تسميتها, في اليونانية Δέησις , بطلّة بهيّة و جمال ملوكيّ . موقعها في الكنيسة المقدّسة ,إلى الايقونسطاس فوق الباب الملوكي . تظهر مشهداً يجمع إلى المسيح الديّان العادل , سيدتنا والدة الاله و النبي السابق يوحنا المعمدان .
في الأيقونة ننظر صورة يوحنا المعمدان , آخر أنبياء العهد القديم و هو في و ضعية توسلية تظهر من خلال حركتي الرأس واليدين المرتفعتين صوب المسيح الديان , فهو يظهر بذلك صلاة بلا فتور و شفاعة غيرمنقوصة في الإنسانية. إلى ذلك يمثّل المعمدان العهد القديم في هذه الأيقونة , و كما أسلفنا سابقاً , فإن الكنيسة تنظر إليه على أنه آخر أنبياء العهد القديم قبل مجيء المخلص . من هنا تسمّيه الكنيسة المقدّسة “السّابق” فهو الشمعة التي أنارت الدّرب قبل مجيء المسيح و أضاءت ظلمة العهد مقدّمة لمجيء المخلّص, الذي سوف ينقذ شعبه من خطاياه. و هذا ما ورد في سفر ملاخي ″ها أنا أُرسِلُ رسولي فيُهيِّئْ الطَّريقَ أمامي”(مل1:3) ،و كما ورد في أشعياء : ” صوت صارخ في البرية اعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة ” (أشعياء 3:40) لذا تصوّره الأيقونة كما تصوّر أنبياء العهد القديم , و تصوّره أيقونات أخرى متّشحا بوبر و جلود الحيوانات رداء الزهد و النسك , نحيل الجسد أشعث الشعر فهو ساكن الجبال و البراري كما أورد الإنجيل المقدّس . إلى جانب حركة اليدين و الرأس, ننظر حركة العينين و الوجه. إذ يظهر و جهه صرامة وعناداً فهو الّذي واجه اليهود و حضّهم على الخروج من بقعة الظلمة, و النهوض لملاقاة من سيعمّدهم بالرّوح نعني به ربنا و مخلصنا يسوع المسيح. بالانتقال إلى العينين , نرى فيهما نظرة اهتمام و تساؤل , نظرة ابتهال و شفاعة لدى الديان, بالإنسانية و المسكونة .
تظهر الأيقونة سيدتنا والدة الإله واقفة عن يمين عرش المسيح ” قامت الملكة عن يمينك ….”وهي في و ضعية ابتهال منحنية تظهر احتراماً لابنها كما تظهر ثقة بالدّالة التي لها عند ابنها و خالقها فهي برفعها لتلك اليدين ترفع معها صلواتنا و طلباتنا, كأن بنا امام الديّان نقدم ابتهالاً و صلوات و هي بذاتها تمثّل باب الفردوس والكنيسة المقدّسة التي بها التصقناإذن هي ممثّلة العهد الجديد ,كما انها تمثّل التحام النور الإلهي بالجبلة البشرية عبر تجسّد المسيح الاله في حشاها الدّائم البتولية, لذا فإن الخيوط المذهّبة الملتصقة بردائها تعبّر خير تعبير عن التحام النور الإلهي بطبيعتنا البشرية من هنا فإنه عند تمام سر التجسد تكون العذراء مريم قد اعتلت عرشاً ملوكياً و باتت هي الكنيسة الجديدة الّتي منها اتى الخلاص للعالم لذا فإن ردائها الأحمر يعبّر عن تلك الطبيعة الإلهية و الملوكية التي اتشحت بها عند اكتمال سر التجسد لإلهي ” ها أنا أمة للرب “. واللون الأحمر هو لون الدّم البشري و الجبلة البشرية فهي بالتّالي قد نسجت الجسد الدنيوي للمسيح, و ما الرّداء الأزرق إلّا دليل على طبيعتها البشرية . إن فائقة القداسة ننظرها في وضع ابتهال و تشفع امام سيّدها و ابنها يسوع المسيح من هنا اعتادت كنيستنا الأرثوذكسية المقدسة أن ترتل لها القنداق الّذي يقول ” يا شفيعة المسيحيين غير الخازية , الوسيطة لدى الخالق غير المردودة” بنظرات سلام كما يدفق و جهها سلاماً و راحة لطالبي شفاعتها فهي التي اختارها الآب لتكون عروسه و الثمرة الّتي ستنبت الشجرة الطيبة الثمر و القطرة التي ستعطي ينبوع الحياة.
إن ّ هذا المشهد الابتهالي ما هو إلّا متجه نحو مركزية و احدة و هو يحيط بالمسيح الديّان العادل , الجالس على عرش مجده, و هو في بعض الأيقونات يظهر واقفاً محاطاً بالسّابق و بالسّيدة والدة الاله. و تظهره الأيقونة آخذاَ مركزية الصورة فهو الرّكن الأساس في محور حياتنا و هو مركز محورية المسكونة و الخليقة الّتي افتداها بدمه الكريم , يتطلّع بنظرات حازمة, أما حركات الوجه فتظهر جانب المسيح الديّان و العادل .المسيح يبارك بيده اليمنى بأصابعه الثلاثة و يشير بذلك إلى الحرفين اليونانيين اللذين بهما تبتدئ الأبجدية اليونانية و تنتهي , و يعنى بذلك ألألفا و الأومغا , أي الألف و الياء, إذ هو ألف الأبجدية و ياؤها كما هو البداية و النهاية . أما في يده اليسرى فيحمل الكتاب المقدس مرجع كل دينونة و محاكمة .
حسبنا ربي أن نلتمس خلاصك , نحن السّاقطين في مستنقع الأحزان و الأوهان في لجى الظلمة والجهل, بشفاعات والدة الإله مع سابقك يوحنا المعمدان و صلوات جميع القديسين. أمين .