قصة آلام المخلص

mjoa Thursday November 19, 2009 296

تعريب أسرة الإعلام – دمشق

القديس العظيم أفرام السرياني

يا لها من رهبة عظيمة حين يسرد لساني ما حدث للمخلص.

  

إلهنا
اليوم سُـلـِّم لأيدي الخُطاة

 

 

أُُسـلِـم اليوم لأنـّه المُبرّر من كلّ خطيّة؟

 

هلموا لنعرف لماذا سُـلـِّم مُخلـِّصنا المسـيح

 

لأجلنا، نحن الأثمة،
سُـلـِّّم السّـيد

 

من ذا الذي لن يتعجب؟
من ذا الذي لن يُمجِّد الرّبّ؟

عندما أخطأ العبيد
وحوكم السّـيد
أولاد الموت
وأبناء الظلمة
خرجوا في الظلمة
للقبض على النور
الذي له كلّ القدرة
أن يبدِّدهم في الحال

 

إلا أن السّـيد، المُدرك تماديهم وجبروت غضبهم، سـلـّم نفسـه بكلّ وداعة وطواعيّة بين أيدي أولئك الأثمة.

 

قيّد المتمردون الكلـّي النقاوة
سخروا من الذي قيد الأقوى بقيود الأبديـّة وحرّرنا من قيود الخطيئة.

 

ضفروا تاجاً
من أشواكهم
وصيروا خلاً
من كرومهم

 

سخروا منه
ودعوه “ملكاً”
بصق المُتمردون
في وجه القدوس
الذي بلمحة منه
يرتعد خوفاً سلطان السـّماء
وكلّ القوات الملائكيّة

أترى، تملكتني من جديد الأحزان والدّموع
حيث أتأمل بما يحمله السّـيد
من غضب وإهانات
وإسـاءات وبصاق
من عبيد ومدعين 

تعال، وعاين جيداً
غنى وحنان
صبر ورحمة
سيدنا المحبوب

كان لديه عبداً مُطيعاً
في فردوس الفرح
ولما أخطأ
طرد إلى العذاب

لكن عندما رأى الرّبّ
ضعفَ روحه
حنّ على العبد
رحمه
لا بل قدم نفسه
ليكون مصبّ غضبه

 

أتمنى لو ألتزم الصمت
لأنّ عقلي مذهول للغاية
 إلا أنـّنـي أخشى
في حال بقيت صامتاً
أن أخسر نِعم مخلصي
لا بل عظامي ترتعد
بمجرّد أن أفكر بذلك.

خالق كلّ الأشياء
إلهنا نفسه،
يُحاكم اليوم
أمام قيافا
وكأنـّه مُدان آثم
وقام أحد العبيد
بجلده.


يرجف قلبي
عندما أفكر بذلك،
العبد يعتلي العرش
والسّـيد أمامه يقف
وأحد الغارقين بالإثم
يصدر حكماً
بحقّ من لا خطيئة له

ارتعدت السّـماء
انشـقـتْ أسـس الأرض
الملائكة ورئيسها
ذووا من هول المُصاب
لاذَ كلّ من جبريل وميخائيل
خلف أجنحتهما

 

اختبأ الشـّيرابيم تحت العرش
وضرب السّـيرافيم أجنحتها ببعضها البعض
في اللحظة التي
ضربَ فيها العبد السّـيد

 

كيف لأسـس الأرض أن تتحمل هول الزلازل
في اللحظة الذي أهين بها السّـيد؟

أراقب وأرتجف
ولا أزال مذهولاً
عندما أرى ما تكبده سـيدنا المُحبّ من آلام

 

ترتعد أحشـائي في داخلي
حين أنطق بهذا الكلام
لأنّ خالق الكون الذي بنعمته جبل الإنسان من طين
تبرحه خليقته ضرباً

 

لنجزع يا أخوتي
لا أن ننصت فحسب
لقد تحمّل المُخلـِّص
كلّ ذلك لأجلنا

قل لنا أيّها العبد الوضيع
لماذا ضربت السّـيد؟

 

جميع العبيد
قبل أن يحرروا
يتلقون ضربة
قد ينالون بعدها الحريّـة الزائفة
إلا أنـّك، أيّها العبد البائـس،
ضربت زوراً وبهتاناً
مُعتق الكلّ

 

أمن المُحتمل أنـّك توقعت
مكافأة من قيافا
لقاء بطشـك؟

أمن المُحتمل أنـّك لم تسـمع قط
أمن المُحتمل أنـّك لم تعرف قط
أنّ المسـيح
هو الإله السّـماوي؟

 

لمُجرد أنـّك ضربت سـيد الكلّ
أصبحت على مرّ العصور
عبد العبيد
مُتسـربلاً (لابسـاً) العار، مقيتاً وآثماً للأبد
في نار خالدة 

 

إنـّه لعظيم أيّها الإخوة
أن نرى رقة المسـيح الملك
الذي ضربه العبد
واسـتجاب بكلّ صبر ولطف ووقار

 

الخادم سـاخطاً
والسّـيد صبوراً
الخادم غاضباً
والسّـيد لطيفاً

في لحظة الغضب،
من يسـتطيع تحمُّـل الغضب والشّـغب؟
لكن إلهنا
تحمل كلّ ذلك بملء إرادته


 

من بإمكانه وصف طول معاناتك يا إلهي؟ 

أنت من يحبّ ويتوق إلى السّـيد المسـيح
تقدّم بكلّ ندم واشـتياق للمخلص

 

تقدّموا، لتعرفوا
ماذا حدث اليوم
في صهيون مدينة داود

شـعب إبراهيم المُختار والمُشـتاق
ماذا فعل اليوم؟

 

سـلـّم للموت اليوم
السّـيد الكليّ الطهارة

 

أيادٍ مُتمرّدة صلبت ظلماً المسيح مخلصنا

على خشبة الصّليب

تعالوا، هلموا جميعاً
نغسل أجسادنا
بالدموع والتنهدات
لأنّ سـيدنا
ملك المجد
لأجلنا نحن الخطاة
سـلـِّم للموت

 

ماذا لو سـمع أحدكم فجأة
بخبر موت عزيز عليه
أو رأى فجأة

 أمام عينيه
جسـد محبوبه

 مُمدداً غريباً شـاحباً

وفاقد الحياة

لذلك ، عندما شـهدت أعالي السـموات
إهانة السّـيد
على خشـبة الصّليب
تغير وجه الشـمـس
التي طوت نور أشـعتها
عاجزة عن مُشـاهدة انتهاك سـيدها
موشـحة نفسـها بالحزن والظلام

 

كذلك الأمر بالنسـبة إلى الرّوح القدس
المُنبثق من الآب
عندما رأى الابن الحبيب
مَصلوباً على خشـبة
شُـقّ حجاب الهيكل
وفجأة حضر بهيئة حمامة

 

أصيبت جميع المخلوقات
بحالة من الذعر والخوف
عندما تألم الملخص ملك السـموات
بينما نحن الخطاة الذين لأجلنا نحن فقط سُـلـِّم الإله نظرنا إلى ذلك بازدراء 

 

نضحك  كلما سـمعنا
عن آلام المُخلـِّص.

 

 يومياً تنتابنا نشـوة عظيمة

فرحين بارتداء ما حسـن من اللباس

غيرت الشـمـس حلتها في السّـماء
عندما عُذب سـيدها
وعلينا أن نحذو حذوها
عندما ترى ذلك المُخلـِّص

 

عُـلـِّق السّـيد على الصليب لأجلك
بينما أنت أيها البائـس التعـس
مشـغول بارتداء أبهى ثيابك

 

ألا يجزع قلبك،
ألا يذوي عقلك،
عندما تسـمع ذلك آذانك؟

 

الوحيد القدوس
سُـلـِّم لأجلك
لموت مُشـين
ليهان ويُسـتهزأ به
بينما تقابل كلّ ذلك
ب
لا مبالاة وتكبُّـر

وعلينا نحن الرّعيّة الصّالحة
أن تبقى أعيننا موجهة نحو راعينا
مُبجلة ومُشـتاقة له على الدوام
لأجلها ذاق الكلي النقاوة  المرارة


 

ليـس عليها أن تلبـس نفسـها  ثوب الفسـاد
ولا أن تغرق نفسـها بالملذات الحسـيّـة
لكن أن تبهج سـيدها بكلّ احترام.

 

 لنكن أنفسنا لا مُقلـِّدين لغيرنا من
العُصاة وقُساة القلب
ناكري نِعم الرّبّ

 

تحمّل الإله تعالى منذ الأزل
لأجل ابراهيم وعهده
صلابة الشـعب وقسـاوته

 

أرسـل لهم من السـموات
المن ليأكلوه،
إلا أن أولئك الجاحدين،
تاقوا إلى أكثر أنواع الطعام مرارة ورداءة

 

ومن جديد، قدم لهم الماء
معصوراً مسـتخرجاً من صخرة صلدة
إلا أنـّهم قدّموا له الخل
وعلقوه على خشـبة

 

لننتبه أيّها الإخوة
ألا نكون كمثل من عـلـّق السّـيد
كمثل من صلب الخالق

 

فلنكن ورعين
معظمين
آلام المُخلـِّص

 

لتكن آلامه في فكرنا إلى الأبد
لأنـّه لأجلنا نحن عانى القدوس
لأجلنا صلب المُنزَّه من كلّ عيب

 

ماذا نستطيع حيال ذلك أيُّها الأخوة؟

لننتبه إلى أنفسنا ألا نستخف بمعاناته

 

اقتربوا يا أبناء الكنيسـة
يا من جمعكم دم الإله القدوس والغالي.

 

هيا، لنتأمل بمعاناته بخشـوع مُتألـِّمين
لنتأمـَّل بورع قائلين

” يسـوع المسـيح مُخلصنا،
لأجلنا نحن غير المسـتحقين سُـلـِّم للموت “

 

لتعلم جيداً يا أخي
اسـمع
الرّبّ القدوس
ابن الله العلي
صُلب لأجلك

 

افتح قلبك
اعرف كلّ معاناته
وقل لنفسـك:

الله القدوس
سُـلـِّم اليوم
سـخروا منه اليوم
شـتموه اليوم
ضربوه اليوم
أهانوه اليوم
ألبسـوه تاجاً من الشـوك
صلبوا حمل الله اليوم

سـيضطرب قلبك
سـترتعد روحك

لنتأمل على الدوام بورع ودموع آلام ابن الإنسـان

 

عندها سـتحلو دموعنا وتشـرق نفوسـنا

 

لنتأمل بأعين مليئة بالدموع آلام الإله
ونشـكره على
كلّ ما عاناه لأجلنا
حتى عند قدومه بيننا ثانية يوم الدينونة
تكون دموعنا مصدر عزتنا وفرحنا

 

اثبت بآلام السّـيد المسـيح
قاوم كلّ المُغريات
تقدم بالشـكر من عمق أعماقك

 

مبارك هو من يحفظ في قلبه
آلام القدوس ومن صلب نفسـه عن كلّ الآلام والحاجات الأرضيّة وكان له تلميذاً

 

إنه لبديهي
أن يكون لخادم السّـيد المسـيح هذا الموقف المُحبّ للرّبّ،  فيكون مُتشـبهاً به في كلّ أعماله الصّالحة


 

يا لخزيك أيّها الإنسـان، ألا ترى الرّبّ القدوس مُـعـلـَّقـاً على الصّليب في حين أنّك غارق بشـبق الحياة وصخبها؟  

 

ألا تعلم أيها البائس التعس، أن المصلوب يطلب حساباً عن كل أعمالك المُخزية، التي لا تعيرها اهتماماً عندما تسمعها، وتمضي غير آبهٍ غارقاً بملذاتك وصخب حياتك؟

 

 سـيأتي ذلك اليوم الرهيب الذي سـتبكي به بحرقة وألم في نار أفعالك.
عندها لن تجد من يسـتجيب لصراخك

ولن يكون من يرحم عذاب روحك.

 

أعبدك يا الله
أباركك أيّها الصالح
أتضرع إليك أيّها القدوس
أركع سـاجداً لك يا مُحبّ البشـريّـة
أمجدك أيّها المسـيح
لأنّك أنت وحدك سـيد الكلّ
أنت وحدك المُنزّه عن كلّ عيب
لأجلي أنا الخاطئ غير المُسـتحق
سـلـّمت للموت على الصّليب
لتخلـِّصنا من عبوديّـة الخطيئة.

 

ماذا عسـاي أن أقدّم لك بالمُقابل يا سـيدي؟

 

المجد لك يا محب البشـريّـة
المجد لك أيها الرّحوم
المجد لك يا طويل الأناة
المجد لك أيّها الغفور
المجد لك يا مُـخـلـِّص نفوسـنا

 

 

المجد لك يا من عذبت

المجد لك يا من صلبت

المجد لك يا من دفنت

المجد لك يا من نهضت من بين الأموات

المجد لك يا من ظهر بالجسـد

المجد لك أيّها المؤتمن

المجد لك يا من رُفعت

المجد لك يا من كُللت

بمجد عظيم على يمين الآب

الآتي بمجد الآب وملائكته

لتدين كلّ من اسـتخف بآلامك المُمَجّدة في تلك السـاعة الرّهيبة والمُريعة،

سـتتزعزع السّـموات وترتعد الملائكة ورؤساؤها  أمام مجدك العظيم.

سـتتزلزل الأرض وكلّ ما عليها أمام عظمة مجدك.

 

في تلك السّـاعة سـيحميني ظلّ يديك الذي  سـينتشـلني من قلب نار شـروري المُريعة وصرير أسـناني وبكائي الأبدي، أمجدك وأقول: المجد للذي أتى  لينقذنا نحن الخطأة بعظيم رحمته وحنانه.

المجد لك ما من قُيدتالمجد لك أيّها المُتجسِّـد من العذراءلأيّ سـبب إذا ًسُـلـِّم القدوس الطاهر؟

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share