مرفوعة إلى الأمين العام رينيه انطون
حول القرارين رقم 3 و4
استحسن كثيراً فكرة “حلقات المصارحة” مع البطريرك والمطارنة، وأتمنى لو تصبح دوريّة، كي يبقى الحوار قائماً من جهة، وكي يشعر البطريرك أو المطران المعنيّ، من جهة أخرى، أن الحركة تعتبره فعلاً مرجعاً روحياً لها، مما يقطع الطريق أمام الإشاعات المفرضة بأن الحركة كنيسة ضمن الكنيسة.
أما بشأن استعجال الرعاة في تشكيل مجالس الأبرشيات، فأتمنى لو يُرفَع الى كلّ مطران معنيّ الإقتراح الذي كنت، على ما أذكر، قد رفعته الى مطران طرابلس الراحل منذ حوالي 30 سنة، والذي يقضي بأن يدعو المطران الرعايا التي لم تشكّل بعد مجلسها الى تشكيلها ضمن مهلة محدّدة، يُصار في نهايتها، حكماً، الى تشكيل مجلس الأبرشية على أساس مجالس الرعايا القائمة عند ذاك.
القرار 5
أرى أن إعادة النظر في نظام الفروع، خطوة مباركة طالما إنتظرتها ودعوت إليها. لقد أثبتت لي متابعتي الطويلة لخبرة مركز طرابلس أن نظام الفروع الحاضر الذي اعتُمِدَ فيه عام 1970 يشكو من عيب أساسي، وهو أنه أفقد المركز القاعدة الجغرافية الثابتة التي كانت تجسّد وترسّخ وتغذّي بإستمرار وحدة فروعه، والمتمثّلة بمجلس الفروع القائم في المدينة والمؤلف من حركيّين يقطنون فيها (وبالتالي يسهل لقاؤهم)، ومن منطلقه في المدينة كان يحتضن الفروع الموجودة في القرى ويتفاعَل معها ويساعد على بنائها وتنميتها، مفتقداً إياها كل يوم أحد بإنتدابه اليها كوكبة من نخبة حركييّ وحركيّات المدينة يتوزعون عليها ويساهمون في إطلاق نشاطاتها وتدريب قياديّيها، فينتعشون بذلك وينعشون.
القرار 6
أرى أن إصدار “دليل المرشد” المقترح، فكرة وجيهة، وأسمع لنفسي بإقتراح أن يكون بين المستندات التي سوف يحويها، مقال لي القيته صيف 1963 في حلقة حركيّة عُقدت في حصرون (وقد نُشر بعدها في موقع الحركة لمقالاتي على الانترنت)، وهو بعنوان “شخص المسؤول” ويستلهم أفكار أحد كبار المربيّن المسيحيين المعاصرين، مؤسس حركة Coeurs Vaillants
القرار 7
أرى أنه من باب منتهى الواقعيّة أن يتم تقسيم الفرق بناء على عدد الاشخاص القادرين فعلاً على الارشاد في الوقت الراهن، بَدَل أن يُرتَجَل “مرشدون” لمجرَّد ضرورة تلبية حاجات فرقة تألفت دون النظر إلى إمكانية تأطيرها الارشادي. إن الأمر يتعلق بحقيقة بديهية عبّرت عنها الحكمة الشعبية بقولها :«على قدّ بساطك مدّ رجليك».
إنما لا يكفي، بنظري، أن نوفّر، بهذه الطريقة، لكل فرقة، المرشد المؤهَّل لإرشادها، إذ إنه ينبغي أيضاً أن نوفر لهذا المرشد الوسائل الكفيلة بأن تساعده في العمل الحسّاس الذي عُهد به اليه، ومنها برأيي الوسيلتان التاليتان:
1- التعارف الفعليّ بين أعضاء الفرقة:
لا يكفي أن يتواجد أعضاء الفرقة بإنتظام في مكان واحد وبإشراف مرشد واحد، ليتم بينهم ذلك الالتحام الذي، بدونه، لا يمكن أن يشكلّوا وحدة حياتية تستحق، فعلاً لا شكلاً، إسم “فرقة”. الأهم بكثير من الإجتماع المكانيّ هو اللقاء الوجدانيّ. هذا ما أفهم من كلام يسوع:
“وأقول لكم: إذا إتفق إثنان منكم على الارض على طلب أية حاجة، فإنهما يحصلان عليها من أبي الذي في السموات. فحيثما إجتمع إثنان أو ثلاثة بإسمي كنت هناك بينهم” (متى 18: 19 و20).
حيث من الواضح أن ما هو مقصود “بالاجتماع” هنا ليس مجرّد التواجد المكانيّ بل التوافق الوجداني.
لذا اقتضى السعي، بشتّى الوسائل، إلى إحلال هذا التوافق في الفرقة بحيث تنشأ بين أفرادها من جهة، وبينهم وبين المرشد من جهة أخرى، صداقة فعليّة تكون، في هذه الفرقة، خير تجسيد ملموس للمحبة الإنجيلية وخير قناة لنموّهم معاً في هذه المحبة التي بها يتحقق وجود المسيح بينهم. ومن وسائل إحلال هذه الصداقة، أخصّ بالذكر ما يمكن تسميته بالتعارف المطوَّل، وهو أسلوب إختبرناه طويلاً، في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي، في فرقتين طّلابيَّتين رائدتين، هما فرقة “الماء الحيّ” وفرقة “كوكب الصبح”، وامتدّ بعد ذلك الى فرقة حاليّة من أسرة العاملين في فرع الميناء، هي فرقة “بهاء الرب” (وهي من أفضل فرق الفرع ولها تاريخ عريق وغني بالمنجزات) حيث صادف ترحيباً ونجاحاً. لذا يمكن الرجوع الى هذه الفرقة في حال إعتماد هذا الاسلوب والعمل على تعميمه.
2- إعتماد أسلوب حيّ في التربية الدينية
ثم أنه، إذا كان لا بدّ من تمتّع المرشد بثقافة دينية متينة وبروحانية أصيلة، فإن هذين الشرطين، على أهميتهما البالغة، وصعوبة تحقيقهما، لا يكفيان لتنمكينه من إيصال ثقافته وروحانيته الى من عُهِد اليه بإرشادهم. فما السبيل إذاً لتحقيق هذا الايصال؟ الجواب هو أن يجمع المرشد الى الصفتين الآنِفتَي الذكر، صفة المربيّ. ولكي أوضح ما المقصود بذلك، أسمح لنفسي بالعودة الى تجربتي الخاصة، لا لأنها الوحيدة المكنة، بل لأنني أعرفها أكثر من سواها. يُحكى عني في أوساط الحركة، أنني مربٍّ ناجح. لذا طلب مني صديق مؤخراً وهو أحد مؤسسيّ الحركة، أن أسجّل زبدة خبرتي التربوية في الحركة ليستفيد منها آخرون. أجبته وقتها أن لا داعي لذلك لأن هذه الخبرة إنما هي مسجَّلة في نمط معالجتي لمواضيع كتبي. ولكنني رأيتُ بعد ذلك أن هذا لا يكفي، لذا حرصتُ، في ملفّ مطوَّل أعددته مؤخراً ورفعته الى الأمين العام، صديقي رينيه أنطون، وهو يتعلق بمصير كتبي، على أن أبرز السمات التي أرى أن كتبي تتميز بها، والتي أعتقد أنها تفسّر وقعها على القرّاء. أوّد هنا أن ألخص الى أبعد حدّ هذه السمات، مختزلاً إياها بالنقطتين التاليتين: