يا ربَّ القوَّات…
يا ربَّ القوَّات كنْ معنا… كيفَ سيكونُ السيِّدُ معنا؟ المسيحُ هوَّ قوَّةٌ.
“يا ربَّ القوَّات كنْ معنا…”. ترى، ماذا يقصدوَن ﺑﻬذه الكلمات؟ لا بدَّ أنَّهم يقصدون أمرًا حسنًا، طالما أنَّ الآباءَ القدِّيسينَ وضعوها لتُقال الآن، في هذه الأيَّاِم المباركة، أيَّاِم الصوم الأربعينيِّ المقدَّس. أيُّ ملكٍ، أو أيُّ حاكمٍ، أيُّ قائدٍ، أو أيٌّ أمير في هذا العالم لا يتمتَّعُ بالسلطة؟ فلكلمتِه قوَّةٌ عظيمةٌ لدرجةِ أنَّ ما يأمرُ به يصيرُ على الفور. ولكنَّه لا يستطيعُ أن يُعطيَ قوَّة روحيَّة.
“يا ربَّ القوَّات كنْ معنا”. نرجو ملكَ السماواتِ أن يُعطيَنا قوَّة روحيَّة. لقد أصابَ الآباءُ القدِّيسون عندما حدَّدوا أن تُقاَل في هذه الأيَّام، وَأن نَرجُوهُ ليأتي فيكون معنا. تعال يا من أنتَ رئيسُ القوَّاتِ كلِّها، وربُّ الكلِّ، تعال إلينا. لأيِّ غرضٍ؟ لِتصيرَ مُعزِّيًا لنا، تعال لتصيرَ محاميًا عنَّا، ومعلِّمًا وطبيبًا، أنتَ يا من تَسودُ على الجميع “كُنْ معنا”.
نَرجُوهُ لِيعطيَنا قوّة. ولكنَّ هذه القوّة لا تأتي هكذا ببساطةٍ وكيَفمَا اتفق. فهي ليست أيَّة ثيابٍ نَلبَسُها ولا هي مج رَّدَ شيءٍ مادِّيٍّ نَأخذُه، إنَّما هي قوَّة روحيَّة . إنَّها اللهُ ذاتُه، الذي نرجوه ليأتي إلينا. فهو على جهوزيَّةٍ تامَّةٍ ليأتي، وعندَهُ الرغبَةُ والاستعدادُ في كُلِّ لحظةٍ أن يأتي، بشكرانٍ وفرحٍ، ليُساعِدَ الإِنسان ويُظلِّلهُ، ولكن علينا أن نُعِدَّ لهُ مكانًا. من هو هذا، الذي يملك كلَّ هذه القوَّة؟ هذا هوَّ المسيح، الذي جاء وَأهرق دمَهَ الكلِّيَّ القداسةِ ليشتريَنا ويُعطيَن ا قوَّة، حتَّى ندوس “الحيَّاتِ والعقاربَ وقوَّة العدوِّ كلَّها”.
ولكنَّها لا تأتي هكذا. يجب بادِئَ ذِي بَدءٍ أن نُذلِّل أهواءَنا. لهذا، حدَّد الآباءُ القدِّيسون أن نرنِّمها في أيَّام الصوم، لأنَّ الصومَ يُذلِّل الأَهواء. إن لم تُذلَّل الأَهواءُ بالكلِّيَّةِ فلنْ يأتي الله. ولكن ما عساها تكونُ الطريَقةُ التي ﺑﻬا نستطيعُ أن نُحضِرَ اللهَ لِيكون معنا؟ أعتقدُ أنَّكم تعرفونَها. هذه الطريقةُ التي ﺑﻬا سنُحضر اللهَ ليكون معنَا، هي انسحاقُ القلب. لِنُواضِعْ قلوبَنا ولنَجلبْ إلى نفوسِنا المحبَّة، والتواضعَ، والصبرَ والإصرارَ على عَمَل الصلاح، لكي يَمكُث اللهُ معنَا. ولكنَّ الأمرَ صعبٌ، لأنَّه ليسَ من السهل أن نذلِّل أهواءَنا.
نستدعي اللهَ إلى قلاَّياتِنا، وإلى الكنيسة، فنبكي ونذلِّل نفوسَنَا. ولكنَّنا نفعل العَكسَ حالما نخرجُ، ونخسرُ كلَّ ما ربحنَا. كيف؟ بالكرَاهيةِ، وسوءِ التصرُّفِ، والشرِّ، والإِدانةِ وبكافَّةِ الأَهواء الأُخرى، التي تحاربُ الإِنسان كلَّ يوم. فنصرخ : يا ربَّ القوَّات كُنْ معنا… ولكنَّ هذه الأَعمال تُبعِدُ نعمة اللهِ ولا يَعودُ يأتي. نحن لا نخافُ اللهَ وعلى الرَغم من هذا لا نُحبُّه. نعم، لقد قال القدِّيس أنطونيوس الكبيرُ: “أن الا أخاف اللهَ لأنَّني أُحبِّهُ من كُلِّ نفسي “، “لأنَّ المحبَّةَ الكامِلة تَطرُدُ الخوفَ خَاِرجًا”.
كيف نُظهِرُ أنَّنا لا نُحبُّه؟ عندما يَصدُفُ فنُشتم، لا نحتملُ، وكذلك عندما يُعنِّفنا أحدٌ ما فنحنُ لا نَنسحِق، وعندما يُعرَضُ علينا أن نعمل عَملا يكرهُه الله، فنحن لا ﻧﻬرب منه . إلى من نسيءُ؟ نُسي ء إلى أنفسِنا. فحيثما تُسيءُ فِإلى هُناكَ سَتذهبُ، وحيثُما تُظلِمُ عقَلكَ، فإلى هناكَ ستُساِرع. ولكن ماذا ستَجني؟ عِوَضَ الفرَح الحُزن، وَعوضَ الرَّاحة الَقَلق والاضطراب . كيف إذا سيَأتي اللهُ ليَكون معكَ؟