للأرشمندريت إميليانوس من دير سيمونو بيترا
مقدمة
ما تقرأه في هذا الكتاب إنما مجموعة أحاديث ألقاها قدس الأب إميليانوس رئيس دير سيمونوس بترا الآثوسي والأب الروحي له ولدير البشارة للراهبات (أورميليا). والحديث عندما يدوَّن لا يحمل صفات المقالة المكتوبة. لذا ستجد في قراءتك بعضاً من الترداد أو التكرار، الذي يتصف به الحديث الشفهي أكثر من المقال المكتوب. لكن هذا التشديد على بعض الأمور يجعلك متنبهاً لها بشكل أفضل، كما يجعل قراءتك مشدودة للكلمات وكأنك تسمعها مباشرة من فم ملقيها.
أحاديث هذا الكتاب تدور حول مواضيع عدة: الصلاة، الحياة الرهبانية، الزواج… . لكنها جميعاً تتسم بحس روحي عالٍ، ذي أسلوب غير معروف لنا كثيراً في الكرسي الأنطاكي. فالأب إميليانوس الذي يتوجه في بعض هذه الأحاديث إلى الرهبان، وفي معظمها إلى مؤمنين في رعايا أبرشياتهم، يعي إنه يكلّم مسيحيين يريد لهم الملء الروحي. ولذلك تجد كلامه سهلاً وعميقاً، قريباً من حياتنا وبعيداً عنها في الوقت ذاته، إنه كلام محفز على السعي الدؤوب في طلب التقدم الروحي والحصول على ملء الحياة.
في الوقت الذي يغوص بالقارئ إلى أعماق محيط الحياة في المسيح، يلفتك فيه إشارات بسيطة تمر في حياتك يومياً ولا تعيرها أهمية، بل قد لا تنتبه إلى استعمالها كما يليق بمسيحي. فعندما تقرأ في بداية “الحياة الرهبانية كنموذج للمجتمع” أن: “كل شيء موجود في هذا العالم مهما كان هو أيقونة ترفع أفكارنا وعقولنا وقلوبنا إلى السماء، وتربطنا بالله”. يستيقظ فيك حس روحي يجعل حياتك بكليتها لله، فلا تعد تحصره في ممارسة محددة تسميها “روحية”. وعندما تسمعه “في الصلاة” يتكلّم عن “اختبار الصلاة كصراع، ثم جعل هذه الصلاة صرخة تصدر من الأعماق” تتعجب من أمداء الصلاة التي تحتاج أن تصل إليها، فتحثك على الجهاد.
لعل اتحاد العمق والبساطة في كلمات الأب إميليانوس مردّه صدق الحياة الرهبانية التي يعيشها وخدمته الطويلة للمؤمنين عبر إرشادهم الروحي وسماع اعترافاتهم. يعرف كلا الحياتين: الرهبانية والعالمية. ومن زار أحد الديرين المذكورين سابقاً، يستطيع أن يلحظ امتزاج الفرح و الرصانة في استضافة الزوار. فمحبة الناس تستدعي، عند المتقدمين روحياً، الاهتمام بخلاصهم. “هل تريد معرفة كم هي قيمة حياتك، وكم هو ثمنها؟ قيمتها تعادل مقدار عطشك للمسيح؛ فبمقدار ما تنتمي قلوبكم للمسيح، تزداد قيمتها” (الحياة الروحية).
من هنا تأتي أهمية نشر هذه الأحاديث في لغتنا العربية اليوم. فالنشاط الرعائي الحالي، في مدانا الأنطاكي، له أشكال متنوعة، لكنه يفتقر إلى البعد الروحي، الذي يزخر به هذا الكتاب. و يعلّمنا الأب إميليانوس أنه: “إن كانت نفوسنا خالية من ثمرات واضحة وعظيمة للروح، فالسبب يرجع إلى أنه ينقصنا الشوق” في كل ما نعمل (في الصلاة). إن لم يحرّكنا الشوق إلى حضور الله الدائم في كل عمل نقوم به شخصياً أم جماعياً، نبقى “تراكم مجتمعي” على قول المطران جورج خضر، ولا يعرف الضياء الإلهي فينا أواني صالحة يضيؤها.
شكراً لرهبنة دَيريْ القديس جاورجيوس والشيروبيم (صيدنايا) على ترجمة هذا الكتاب ونشره. إنها بوضعه في أيدي المؤمنين، إنما تُدخِل نَفَسَاً روحياً أرثوذكسياً رعائياً خالصاً، يخدم جميع المؤمنين وكهنتهم. لم تكن الرهبنة الأرثوذكسية بعيدة يوماً عن أتعاب الكنيسة وهمومها. لي رجاء كبير أن نبدأ في اختبار عيش التكامل في حياتنا الكنسية، حتى لا تبقى موهبة أو نعمة تغرّد لوحدها. هكذا تكون كنيسة المسيح واحدة حقاً.
+ المطران سابا
الفهرس
الإهداء
لمحة عن حياة الكاتب
كلمة الناشر عن الطبعة الإنكليزية
كلمة الناشر للترجمة العربية
المقدمة
في الصلاة
صلاة الجبل المقدس
القداس الإلهي: نافذة السماء
حضورنا إلى الكنيسة: أفكار حول القداس الإلهي للقديس يعقوب
علاقاتنا مع جيراننا: الحياة الرهبانية كنموذج للمجتمع
الزواج: السر المقدس العظيم
دراسة روحية
حياة روحية