عاش فلاديمير في إحدى القرى الروسية النائية وكان رجلاً فقيراً اشتهر باستقامته وإخلاصه. وامتهن تصليح الأحذية فالتف حوله أهل القرية وكانوا جميعاً مثله يقتصرون على اليسير من القوت والمال.
وماتت زوجة فلاديمير فأصبح وحيداً لا شريك له. ولم يكن ثمة أنيس له سوى الكتاب المقدس وقد اعتاد تلاوة فصول منه كل مساء.
وبينما كان فلاديمير ذات مساء منكباً على الكتاب يطالعه سمع همساً في أذنيه، صوت رجل يطلب زيارته.
فهب فلاديمير إلى النافذة مستجيباً للنداء. غير أنه لم ير وجهاً غريباً في الشارع بل سكان الحي المتواضع وكلها وجوه مألوفة لديه.
لكنه ما لبث أن لمح عاملاً مسناً يرفع الثلج عن أعتاب البيوت يتكىء إلى حائط كوخه والتعب باد على محياه، يمشي متثاقلاً ويتحرك مترنحاً من فرط أعيائه وجوعه. فترك فلاديمير مكانه وخرج مرحباً بالرجل المسن، فأخذه بذراعه وأجلسه قرب الموقد وأحضر له كوباً من الشاي الساخن واطمئنان معاً.
وعاد فلاديمير إلى نافذته يترقب زائره الموعود. لكنه شاهد امرأة تصارع وطفلها هبات الريح العنيفة تحاول أن تلتف بملابس مهلهلة.
فترك فلاديمير مجلسه قرب النافذة وطلب إلى السيدة أن تدخل وتأخذ قسطاً من الراحة فرافقته إلى المنزل الحقير تنشد الدفء والطعام.
وسردت السيدة إلى فلاديمير شيئاً من سيرة حياتها فرثى لحالها لما عرف أنها أرملة تهيم على وجهها برفقة طفلها وما من أحد يحن عليها أو يستخدمها. فأشفق عليها ببعض المال والثياب وصرفها بلطف.
وعاد فلاديمير إلى نافذته يرقب زائره وأزال آثار الثلج عن حذائه وثيابه وأخذ يلاطفه ويبادله الأحاديث المسلية فشعر الإثنان براحة المنتظر وكان ينتظر بشوق أن تتحق الرؤيا التي شاهدها ويستجاب ذلك الصوت الذي سمعه.
ورأى بائعة تفاح تخاصم صبياً اختطف بعض التفاح من سلتها فانتهرته وأرادت تسليمه إلى الشرطي. وسرعان ما أثارت تلك المشادة حنان فلاديمير فهرع إليها وتوسط للغلام بالصفح وعوض المرأة عن خسارتها ثم عاد إلى غرفته.
وسمع فلاديمير الصوت الخفي قرب سريره إذ تمدد عليه واستسلم للنوم في سكون الليل فأخذ يصغي بأذن مرهفة عله يستدل على زائره المنتظر. ولدهشته شاهد الرجل المسن يدخل إليه وينحني أمامه ويشكره على حسن ضيافته ثم يتوارى، وتظهر المرأة والطفل الهزيل فتبتسم له ثم تختفي في ظلام الليل، ويتراءى الولد المعتدي فيصافحه ويتسلل من أمامه وهو يعده بتغيير نهج حياته. واستفاق فلاديمير فإذا الكتاب المقدس يسقط من السرير إلى الأرض وكان قد هم بقراءته قبل أن يستسلم للنوم. فرفعه فلاديمير عن الأرض وإذ به مفتوحاً أمامه فقرأ: (لأني جعت فأطعمتموني وكنت غريباً فآويتموني… الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد اخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم )) (متى ٢٥:٣٥) أدرك فلاديمير إذ ذاك أن زائره المنتظر قد زاره حقاً .