الشهداء مرقص العرطوزي وكيرللس البعلبكي والخدّام والعذارى في غزة وعسقلان (362 م)
إثر تولي يوليانوس عرش بيزنطية، وكان قد أخفاه مرقص من بطش عمه قسطنديوس، ووفر له سراً ما يحتاج إليه. فأمر أن يُعيد المسيحيون بناء الهياكل الوثنية التي دكّوها خلال حكم سلفيه قسطنطين وقسطنديوس، وعلى نفقتهم. وكان مرقص قد هدم هيكلاً فخماً له موقع مميّز في نفوس الوثنيّين، وبنى كنيسة وهدى عدداً كبيراً من الضالّين. وقد لزم الوثنّيون الصمت على مضض وكنّوا لمرقص حقداً شديداً.
إثر اندلاع شرارة الاضطهاد، توارى مرقص عن الأنظار. ولمّا بلغه أنّ الوثنيّين أمسكوا بعدد من مسيحّيي عرطوز ولم يشاؤوا إطلاق سراحهم قبل أن يُسلِّم مرقص نفسه، فجاء إليهم فقبضوا عليه وجرّروه في الشوارع من شعره. وإذ جرّدوه من ثيابه, جلدوه جلداً وحشياً وحقّروه أيّما تحقير. ثم ألقَوه في حفرة النفايات والمياه المبتذلة، وعمدوا إلى تقييد ساقيه بالحبال وشدّوا حتى اخترقت الحبال لحماته ووصلت إلى عظامه، ثمّ جعلوا على بدنه عسلاّ ومرقاً وأقفلوا عليه في ما يُشبه القفص معلّقين إياه في الهواء والشمس المحرقة، منتصف النهار. ومع هذه الآلام لبث مرقص هادئاً. كانوا يُلحّون عليه أن يُعيد لهم بناء الهيكل فلم يأبه لهم. فاستحال ازدراء بعضهم إعجاباً به، لصبره وثباته وقوة نفسه، فأطلقوا سراحه ورجاه بعضهم أن يُعلّمه كيف يبلغ مثل هذه الدرجة من الرزانة والهدوء، والصبر. وأمضى بقيّة أيّامه في تدبير شؤون قطيع المسيح في عرطوز إلى أن رقد بسلام في الرب.
أمّا القدّيس كيرللس فقد كان شماس كنيسة بعلبك. انقضّ كيرللس بحماسة شديدة وحرّض الناس على هدّ هيكل فينوس، فحقد عليه الوثنيّون وكظموا غيظهم إلى وقت مؤات. فلمّا انحلّت ساعة الظلمة انتقموا منه وممن أمكنهم الوصول إليهم، راهبات وخدّام الكنيسة. واقتحم الوثنيّون ديراً للراهبات واستاقوا من فيه إلى الموضع حيث كان هيكل فينوس. وعرّضوهن لدناءات وحقارات جمّة. وانقض الضالّون على كيرللس وضربوه ضرباً لا هوادة فيه. وأكلوا كبده نيئاً كالحيوانات.
وفي عسقلان وغزّة، أمسك هناك الوثنّيون خداماً كنسييّن ونسوة مكرّسات وانتزعوا أحشاءهم وجعلوا في أقفاص صدورهم شعيراً وألقوها رعياً للخنازير. رغم كل الفظائع الرهيبة لم ينجح يوليانوس في استعادة عبادة الأوثان، في أكثريته، غير مبال بها .