ها هو قد أنهى مهمّته. وهكذا فإنه، في يوم السبت المقدس “يرتاح من كل أعماله”.
ننتقل من الحزن العميق في يوم الجمعة العظيم إلى الهدوء والراحة والتحضير لبهاء اليوم التالي، يوم الفصح المقدس. من خلال الموت، يحوِّل المسيح الحزن إلى مجد.
السبت هو اليوم الفاصل بين الحزن العميق والفرح الأبهى. إنه وقت الانتظار والشوق إلى القيامة التي هي ليست فقط انتصار المسيح، بل انتصار كل المسيحيين على الموت والفساد ورباط الخطيئة. انتصار المسيحيين على الخوف من الشيطان. (“لا تنوحي عليَّ يا أمي إذا شاهدتني في قبر، … لأني سأقوم وأتمجّد وأُعلّي مشرفاً كل الذين بأيمان وشوق يعظمونكِ”).
في الحياة الرعوية، نلاحظ أن السبت العظيم هو يوم لا يحظى بالاهتمام اللازم. فقليل من الناس يشاركون بالخدمة الكنسية. وكثيراً ما نلاحظ أن الأسبوع العظيم، بالنسبة لعدد غير قليل من المؤمنين، يقتصر على يوم واحد: يوم الجمعة العظيم. أما يوم السبت العظيم فيليه بسرعة ويحل محله يومُ أحد الفصح. المسيح يموت ثم يعود فجأة إلى الحياة من جديد. الحزن العميق يحل محله بسرعة الفرح العظيم. في غمرة كل هذه الأمور يضيع نوعاً ما السبت العظيم.
أما الكنيسة فتفهم الأمور بشكل آخر: الحزن لا يختفي لكي يحلّ محله الفرح، إنه يتحول إلى فرح. هذا التمايز يدل على أن المسيح، بالموت تحديداً، يصل إلى النصر الأكيد.
صباح السبت هو آخر يوم من الصيام العظيم. إنه يوم نشعر فيه باستباق الفرح، ولكنه أيضاً يوم تأمل وصلاة وتهيّؤ للعيد العظيم، عيد قيامة ربنا ومخلِّصنا يسوع المسيح. فيه نعيّد لنزول ربنا إلى الجحيم ونتحضّر للاحتفال بقيامته. كل هذا نراه في تراتيلنا التي تعبِّر عن “تمرمر الجحيم” وتهلل السماوات.
وطئ الموت بالموت
نرتل في طروبارية الفصح المقدس: “المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت”، هذه الجملة تعطي معانٍ كثيرة ليوم السبت العظيم. إن رقاد المسيح في القبر هو رقاد “فاعل”. إنه يأتي ليفتش عن صديقه الساقط آدم الذي يمثل كل البشر. وإذ لا يجده على الأرض، ها هو ينزل إلى مملكة الموت التي يطلق عليها اسم “مثوى الأموات” في العهد الجديد. هناك يجده ويقيمه ويعيده إلى الحياة من جديد. هذا هو النصر: الأموات أُعطوا الحياة. لم يعد القبر مكاناً متروكاً، منسياً، خالياً من الحياة. صارمكاناً تخرج منه الحياة. المسيح بموته وطئ الموت بالموت.