القديس يوستينوس الفيلسوف ورفاقه
ولد القدّيس يوستينوس في مطلع القرن الثاني للميلاد في نابلس الفلسطينية. عاش في بحبوحة وتلقى تعليما مختارا، في كنف عائلة وثنية. عاشر الفلاسفة ولم تغوه أي من تعليمهم، التصق بأحد الفلاسفة الأفلاطونيين المشهورين. وإذ رغب في معاينة الله، كما وعده الفيلسوف، اعتزل في موضع هادىء عندالبحر ليخلد إلى تأملاته.
فيما كان مرة يتمشى على الشاطىء، التقى شيخا مهيبا ودخل معه في حوار. سأله الشيخ كيف للفلاسفة أن تكون لهم عن الله فكرة صائبة ولمّا يعرفوه بالخبرة، فأجاب يوستينوس أنّ في طاقة الذهن أن يعاين الله، أردف الشيخ إنّ الذهن لا يحوز مثل هذه القدرة ما لم يتّشح بالروح القدس اولا، بعد أن يكون قد تنقى بممارسة الفضيلة. وأبان له الشيخ أن الله وحده لا بدء له ولا يعتريه فساد. واحد أحد بالكامل ومساو لذاته أبدا. والنفس تحيا لأنها تشترك في الحياة الموهوبة لها من الله. وأن الأنبياء وهم شهود للحقّ مجّدوا الإله الواحد الآب وأخبروا، بالعلامات والكتابات، عن المسيح الآتي منه. وختم قائلا:” وأنت، قبل كل شيء، صلّ من أجل أن تفتح لك أبواب النور”. وشاهد يوستينوس كيف يجابه المسيحيون الموت ويجابهون ما يخشاه سواهم بشجاعة فائقة، واقتنع أنهم على حق.
اقتبل يوستينوس المعمودية وانكبّ على دراسة الكتاب المقدّس، وأخذ على عاتقه مهمّة الدفاع عن تعاليم المسيح. وأبان لليهودي تريفون أن الشريعة والعهد القديم برمّته لم يكن سوى مقدمة ورسم فذّ متماسك للمسيح ابن الله، وإن الأمم المهتدية هي من يشكل “إسرائيل الروحي الحقّ” فيها الكل مدعو لأن يصير “إلها” بنعمة الروح القدس.
اتخذ له في رومية مقرا وصار يستقبل طلاّب المعرفة والحق. وذاع خبر مدرسته يومذاك.ت لك الفترة من حياته كانت حافلة بالنتاج الفكري ودحض الوشايات الفظّة التي أشاعها الوثنيون في شأن المسيحيّين. ووصف نبل الإجتماعات الليتورجية ونقاوتها، وكيف أنّ منها تمتدّ حياة الشركة المرتكزة على الإفخارستيا تعاضدا بين أعضائها ومؤازرة للمحتاجين. وأفاد يوستينوس أنّ غيظ الأبالسة وحسدهم هو سبب اضطهاد المسيحييّن وأنهم لو لم يكونوا حقانييّن لتعذّر تفسير تصبّرهم على التعذيب. إذ كان الله قد أخّر المصيبة التي لا بدّ أن تحلّ فمن أجل جنس المسيحيين.
عدو يوستينوس الألد كان كريشينس الذي سعى للتخلص منه ورفاقه الستة بينهم امرأة، وتسبّب في قبض الوالي روستيكوس عليهم، وبعد اعترافهم بأنهم مسيحيّون جلدوا وقطعت هاماتهم، فدفنهم بعض المؤمنين في مكان مناسب.