الفرح: حبنا للحياة يكشف لنا أسرارها المدهشة

mjoa Saturday June 5, 2010 255
هكذا فإن الفرح يشكل النسيج الأساسي للكتاب المقدس الذي يحمل لنا البشرى السارة ابتداء من صفحاته الأولى معبرا بوضوح عن عنوان الإنجيل ( البشرى السارة بالعربية) هذه البشرى التي ستتفجر إلى ملئها بمجيء المسيح الذي هو صورة الفرح ذاته.

إن هذه البشارة بمجيء المسيح يجب أن تكون حاضرة في أذهاننا كلما قرأنا في العهد القديم مثل هذه النصوص التي قد تبدو بلا قيمة ولكنها تُظهر محبة الإنسان الفائقة للحياة. إن ذروة الحكمة بالنسبة للشعب اليهودي هي أن يتذوق الحياة كما هي .إذ نجد الفرح بكل أشكاله في بساطة الحياة اليومية، ابتداءً من الفرح بالحصاد الذي يكون غالباً كبيراً جداً، أو الفرح بنتاج الكرمة، أو عندما نتقاسم الحياة مع المرأة التي نحب وننجب الأطفال، وحتى الفرح باحتساء بشرب الخمر التي تفرّح قلب الإنسان (مزمور 104 : 15). إن أي تجربة إنسانية مهما كان صغرها يمكن لنا أن نحياها بحيث نلمس في كل لحظةٍ منها سر الفرح العظيم.  
وهكذا فإن القلب المستيقظ يستطيع أن يرى في كل شيء ظهوراً و إعلاناً لله المحب. ولكن هناك ما هو أعظم من ذلك، فما يعطي الحياة عمقها ، هو أنها مقدَّمة من الذي يسكنها. يتحد إذاً العطاء بالوجود : لأن الله يقدم ذاته من خلال ما يحصل لنا. لقد عرف شعب الله ذلك : وأيضاً أن يأكل كلُّ إنسانٍ ويشرب ويرى خيراً من كلِّ تعبه فهو عطيّة الله (الجامعة 3 : 13).
إن عطاء الله ليس عطاءً عادياً، بل هو حضورٌ خلاق في حياة الإنسان يحرره باستمرار ويثبته على طريق الخلاص. لقد فهم شعب إسرائيل أن الله هو الذي يفعل دائماً ؛ أكان ذلك في خفايا الحياة اليومية البسيطة أو في التحرير التاريخي للشعب: عندما ردّ الربُّ سبي صهيون صرنا مثل الحالمين. حينئذٍ امتلأت أفواهنا ضحكاً وألسنتنا ترنماً (مزمور 126 : 2). لقد ظل هذا الفرح محور الكتاب المقدس و اتجاهه الأساسي حتى أُعلن بمجيء المسيح المحرر بنفسه الذي خبّر عن مهمته منذ البداية :  العُميُ يبصرون و العرج يمشون و البرص يُطهّرون والصُّمُّ يسمعون و الموتى يقومون و المساكين يُبشَّرون (متى 11 : 5). إن استخدام يسوع هنا تعبير النبي أشعياء (أشعياء 35 : 5) يدل على أن تحريره للإنسان كان قد بدأ منذ العهد القديم و اكتمل بتجسده. و تسمح لنا المزامير، التي هي خبزنا اليومي، بأن نفهم و نعيش حقيقة تحرير المسيح لنا و أن نذكرها طالما حيينا، فهو : المجري حكماً للمظلومين المعطي خبزاً للجياع. الرب يطلق الأسرى. الرب يفتح أعين العُمي. الرب يقوّم المنحنين. (مزمور 146 : 7-8). ولكي نكون على توافق مع مضمون الفرح الموجود في المزامير علينا أن نغنيها بدلاً من أن نقرأها حتى عندما نكون حزينين. فالتعبير بابتهاج هو وحده الذي يجعلنا نصل إلى أعماق الحياة متجاوزين سطوحها المضطربة. وأحياناً تكون الحياة هائجة إلى درجةٍ نحتاج فيها إلى أن نرنّم مجتمعين المزامير بصوت الروح القدس حتى نصل إلى صخرة الارتكاز في وسط العاصفة.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share