لقد نقل مجيء المسيح العالمَ من الظلمة إلى النور و الفرح الأزليين. فبتجسد الله في شخص يسوع المسيح *
4 تم ملء الزمان ووصل الخلق إلى غايته، إذ أنجبت الأرض الأم بعد حَضن احتضانٍ دام آلاف السنين الله شخصياً : هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا (متى 1 : 23). لقد تحققت كل الكتابات و النبوءات بهذا الحدث الذي لا يوصف والذي كان محور كل تطور الكون. فبكلمة الله خُلق كل شيء، ابتداءً من توسّع المجرّات و مروراً بنشأة الحياة على كوكبنا وانتهاءً بظهور الإنسان.
كل ذلك كان إنجازاً عظيماً صنعه الله على مدى مليارات السنين. لقد صار اليوم الذي أخذ فيه الله صورتنا بداية التقويم بالنسبة لكل البشر، حتى الأكثر إلحاداً منهم. فقد قسمت هذه اللحظة الحاسمة الزمان إلى قسمين : ما قبل يسوع المسيح و ما بعد يسوع المسيح مظهرةً حقيقة أن الله فرح ! لذا فالفرح هو كلمة الإنجيل الأولى و الأخيرة. فبالفرح أعلن الملاكُ للرعاة ولادة المخلّص قائلاً لهم : ها أنا أبشركم بفرحٍ عظيمٍ يكون لكل الشعب (لوقا 2 : 10). وكذلك عندما صعد المسيح أمام تلاميذه إلى السماء كان الفرح موجوداً : فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم (لوقا 24 : 52).
لقد عاد التلاميذ إلى أورشليم ليتهيئوا لمهمتهم التي أخذوها من الروح القدس يوم العنصرة وهي إعلان هذا الفرح إلى أقاصي الأرض (أعمال 1 : 8). إن المسيح الذي صار غير منظور عندما صعد إلى السماء هو بالحقيقة حاضر دائماً في قلب كل إنسان *5 إلى انقضاء الدهر (متى 28 : 20). كما قال القديس غريغوريوس النيصصي (القرن الرابع) : إن المساوي للآب في الجوهر قد أخذ طبيعتنا البشرية لكي نتألّه. إن الفرح الذي هو الله قد أصبح بالمسيح كياننا الاساسي *6. لقد جعل القديس بولس الرسول من هذا الفرح أساس كرازته : ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجهٍ مكشوفٍ كما في مرآةٍ نتغيرُ إلى تلك الصورة عينها من مجدٍ إلى مجدٍ من الرب الروح (كورنثوس 2، 3 : 18 ). لأن الله الذي قال أن يُشرق نورٌ من ظلمةٍ هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارةِ معرفةِ مجدِ الله ِفي وجه يسوعَ المسيح (كورنثوس 2، 4 : 6). فمن يريد أن يؤجج نار القيامة في داخله عليه أن يعيش فقط مع هذه الأقوال لعدّة سنوات كما يفعل الرهبان في الصحراء. يقول بول إيفدوكيموف : إن تلميذ المسيح الحقيقي يكون متّقداً بفرحٍ فصحي يكون له منارةً لوجوده. فالحملُ القائمُ من بين الأمواتِ يجعل كلَّ شيءٍ يتلألأ بنورٍ عجيب يظهر لمن يعرف كيف ينظر إليه *7… .
من دون هذا الفرح تصبح المسيحية غير مفهومة و تصبح الكنيسة بلا فائدة. إذ لا يمكنني أن أعيش المحبة إلا بالفرح. على المسيحي إذاً أن لا ينسى وصية المسيح لتلاميذه بأن يعيشوا دائماً هذا الفرح العظيم : كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم و يُكمَل فرحكم (يوحنا 15 : 11).
ليس هناك من قداسةٍ من دون فرحٍ مرشدٍ إلى الطريق الصحيح. لذا فإن القديس بولس الرسول كان دائماً يركّز على أهمية الفرح : افرحوا، اكملوا (كورنثوس 2، 13 : 11). افرحوا في الرب كلّ حين و أقول أيضاً افرحوا… الرب قريب (فيلبي 4 : 4).
إن فرحنا يكمن في هذه الحقيقة المُزعزِعة التي مفادها أن الله موجود وقد أتى إلينا و اتحد بكياننا. الله موجود هذا يكفي. فلنشكر الله في كل زمان و مكان على ذلك، ولنَعِش ملء هذا الفرح بانسلاخنا التام عن ذاتنا الأنانية حتى نتجدد كلياً ببهاء المسيح الإله *8.
_________________________________________
4- عبارة يوحنا الدمشقي أفضل : “الألوهة تجسّدت في أقنوم الابن أي أن يسوع المسيح يحوي في شخصة الإلهي الطبيعتين الإلهية والإنسانية بدون أن يكون الآب والروح القدس قد تجسّدا. هذا سر إيماننا الذي لا نستطيع إدراكه.
5- جاء في أفسس (3: 17) أن المسيح يسكن في قلوبنا بالإيمان . إذاً الإيمان مهم جداً لسكنَ المسيح في البشر.
6- المؤلف غير دقيق . الكيان هو بالـفرنسية être وبالإنكليزية being بينما الفرح هو عاطفة. المؤلف لا يجيد التفريق بين الطبيعة والقوى. بالاماس يقول إن الكيان يشمل الطبيعة الإلهية والقوى الإلهية. اللاهوت الأرثوذكسي البالاماسي يفرق بين الجوهر الإلهي الغير المدرك والغير المقترب إليه وبين القوى الإلهية الصادرة من الجوهر الإلهي وتتّحد بالمؤمنين لتؤلههم. الكيان يشمل الجوهر والقوى. أمثلة على القوى: المحبة، الحكمة، الصلاح، النور، المجد النعمة الإلهية … المؤلف يبالغ . الناس العاديون إن اعتبروا المسيحية فرحاً اعتبروها مسألة سهلة. يوحنا المعمدان ويسوع بشّرا فنادا بالتوبة: “توبوا فقد اقترب ملكوت السموات” . التوبة عمق وانسحاق ووخذ ضمير. فم الذهب ألقى عظات رائعة عن نخس الضمير. القانون الكبير للقديس أندراوس الدمشقي هو قانون توبة رائعة
7- الإفراط في الكلام عن الفرح بدون ذكر التوبة التي تجرحنا في الصميم يُضعف الموقف المسيحي الأساسي الذي هو الندامة والرجوع عن الخطايا وإن كانت التوبة تنتهي إلى فرح القيامة
8- المؤلف يجعل الحياة الروحية سهلةً بينما هي صليب توبة يُزهر في قيامة أي أن سر المسيحية هي سر القبر (الخلاص): يدفن خطايانا مع المسيحي بالتوبة فنقوم معه . فسر الحياة المسيحية إذاً هو الصليب وقبر الخلاص