من كتاب “مع تساؤلات المرشدين – د. كوستي بندلي “(ص 213-215) :
العلاقات الجنسية و العاطفية بين الجنسين
– اهتمام الثانويين الشديد بموضوع الحب
“الى أي حد يجب اعطاء المجال للاخوة الثانويين بموضوع الحب و العلاقات ؟ فهم لايشبعون ابداً من هذا الموضوع “
1- برأيي أن نتجاوب معهم و نعطيهم كل المجال الذي يرغبون فيه الى أن يطمئنّ قلبهم فيخفّ تلقائياً الحاحهم على هذه المواضيع .فهذا شأنه :
أ- أن يبدد لديهم الوهم – الذي كثيراً ما نشكو منه عند شبابنا – حول غربة الايمان المزعومة عن الحياة ، و أن يصالحهم مع الله اذ يشعرهم (عبر تجاوبنا مع اهتمامهم هذا و عبر ما نقول لهم بشأنه ) بأن الله يهتم بالغ الاهتمام بشؤونهم العاطفية و يبتسم لخطواتهم الأولى في طريق الحب الذي زرعه هو في قلوبهم و جعل منه صورة عن حنانه عليهم و طريقاً منه اليهم و منهم اليه و إشارة منه الى ما يعدّه لهم من سعادة لا توصف و تذوقاً مسبقاً لبعض ما سوف يتمتعون به اذ ما دخلوا في ” فرح ربهم ” .
ب- أن يسمح لنا بارشادهم في درب الحب الذي ليس هو بالدرب المفروش بالورود كما قد يتصورونه هم لأول وهلة- و كما قد نتوهمه نحن لأننا ربما نسينا معاناة مراهقتنا أو لم نمرّ في ذللك الحين بمثل تلك الخبرات . فالمراهق قد يتخيل الحب طريقاً سهلة ،معبّدة محفوفة بالأماني الدانية في متناول اليد ينطلق فيها المرء على سجيته فيجني فيها تلقائياٍ المتعة تلو المتعة . و لكنه سرعان ما يكتشف – ودورنا نحن أن نرافقه و نوجّهه في هذا الاكتشاف-أنه في الواقع درب عسير، لأنه درب خروج من الذات للقاء الآخر ، ذلك أن الآخر المختلف الذي لا يمكنه أن يكون مجرد صورة لرغائبي و مطية لمآربي و أداة مطواعة لتحقيق أمانيّ و امتداداً لشخصي ومرآة أتأمل فيها ذاتي فأتعشقها ، بل ان له- ومن حقه أن يكون له – فرادته و اختلافه يؤكدهما حيالي تثبيتاً لهويته المتميزة ،فيدعوني من جراء ذلك الى الانسلاخ عن ذاتي لألاقيه حيث هو،في ميزاته الشخصية و خصوصيات جنسه المختلف ، و يحفزني الى تجاوز ذاتي بحيث يصبح انتعاشه و سعادته في نظري لا يقلّان أهمية، لا بل يزيدان، عن انتعاشي الذاتي و سعادتي .انها خبرة “خروج” (بالمعنى الكتابي لهذه العبارة : خروج العبرانيين من مصر و اجتيازهم الصحراء سعياً الى أرض الميعاد ، “خروج ” المسيح بالموت الطوعي ليعود بالقيامة الى أبيه فيمتلىء ضياء و يملأ به الكون ، ذاك “الخروج” الذي يشير اليه انجيل لوقا في رواية التجلي : لوقا 31:9) ، بها يتخطى المراهق ، عبر الألم و التمزق و التعثر و الفشل ،نرجسية عمره(أي محورية الذات التي يتميز بها هذا العمر ) ليكتشف و يختبر المشاركة الحقة فتكتمل بها قامته الإنسانية. عبر هذه المعاناة يختبر المراهق – إذا كنا الى جانبه لنوقظه الى معنى هذه الخبرة – حضور الله في حياته على أنه حضور ينتزعه من قوقعة ذاته ليدفع به باتجاه الآخر ذلك الآخر الذي بلقائه يجد ذاته القيقية الغنية الرحبة. إنه، عبر تلك الخبرة الحميمية ،يكتشف،لا بالذهن وحسب ،بل على صعيد الحياة المعاشة، معنى الصليب و كيف أن “من أضاع نفسه و جدها” على حد قول السيد (لوقا 33:17). بعبارة أخرى ، يكتشف ذاته مشاركاً للسر الفصحي ، الّذي يترابط فيه الصليب و القيامة ، إذ يلمس في واقع حياته و في صميم معاناته العلاقة بين صليب التجاوز و الانسلاخ و فرح اللقاء و الاكتمال.
هذا “الخروج” بالطبع محفوف بالمخاطر ، فقد يتعثر الحب،و قد يضيع في متاهات الأنانية التي تجهض انطلاقته. هكذا تاه الشعب العبراني في الصحراء و كثيرون منه لم يشاهدوا أرض الميعاد .و لكن الله ارتضى ،ومع ذللك، لشعبه، مجازفة الخروج إذا كان لا بدّ منها لنمو هذا الشعب و اكتماله. فهلّا أخذنا عبرة من موقف الله هذا ، في سلوكنا حيال المراهق ، عندما يطرح علينا بالحاح موضوع الحب الذي يشغل باله و يقضّ مضجعه ؟
2- موضوع الحب ، الذي يلح عليه المراهق ، ليس هو اذاً ، كما رأينا ، موضوعاً هامشياً بالنسبة للتربية الروحية التي هي قلب عملنا الإرشادي ، بل إنه ، كما أرجو أن يكون قد اتضح مما سبق ،من صلب هذه التربية لأنه المجال الذي يمكن للمراهق أن يكتشف عبره و بصدده كيف أن تحوًله الى الآخر و تحوًله الى الله انما هما جوهرياً أمر واحد.
3- هذا و إن زخم حبرة الحب المتيقظة لدى المراهق يمكن أن يكون بحدّ ذاته فرصة لاكتشاف الله . ذلك أن المراهق الذي يدخل في هذه الخبرة يشعر نفسه محمولاً من طاقة تتجاوزه و تفجر فيه قدرات لم يتوقعها و تحدو به أن يمنح الآخر و ينتظر منه بالمقابل سعادة و اكتمالاً لا تقوى الدنيا على تحقيقهما . ألم تكن خبرة الحب ، كما يروي الّلاهوتي الكبير المعاصر سرجيوس بولغاكوف ، لحظة حاسمة في اكتشافه الله و اهتدائه اليه ، و هو الذي نشأ في كنف الالحاد ؟ ألا يمكن أن يكون الحب خبرة تقتلع المرء من اكتفائيته و تلقي به في رحاب و جود لا نهائي يتجاوز من كل صوب ؟ فهلا أخذنا ذلك كله بعين الاعتبار؟؟.