وثيقة: ’’وقائع قضية حلب‘‘

mjoa Thursday July 8, 2010 189
كثيراً ما تمنّينا ألا تصل بنا الأمور إلى هذه اللحظة التي كنّا نخشاها منذ أن بدأت العلاقة بين راعي أبرشية حلب ومركز حلب للحركـة تتّسم بالصعوبات. هذا بسبب شخص المطران  طباعاً ونهـج عمل، وصعوبة تقبّله لكل ما لا يستهويه،  إذ لا يخفى على أحد أن شريحة من مؤمني الأبرشية في حلب، الذين تعوّدوا على العمل الجماعي والشركوي منذ عقود طويلة برعاية الأسقف وتوجيهه، لاحظوا ما لاحظناه بهذا الحكم الجديد القائم على التفرّد واستبعاد المؤمنين عن المُشاركة الفعلية. وهذا ما جعل المسؤولين الحركيين يحاولون، قدر الإمكان، أخذ هذا الواقع بعين الاعتبار  والتحلّي بالصبر، وتقديم ما أمكن تقديمه لتجنّب الانعكاسات السلبية لأي أزمة قد تنشأ نتيجة هذا الوضع.      
لا يعني هذا أننا ننزّه أنفسنا، بالكامل، عن أسباب عدم استقامة العلاقة مع الأسقف. فالحركيون، كغيرهم من الرعاة والمؤمنين، يحملون كنز الربّ في “أوان خزفية”، وهم، ومسؤولوهم تالياً، ليسوا منزّهين عن الضعفات التي لم يخجلوا، يوماً، من جرأة الاعتراف بها. وتأكيداً لذلك حملت رسالة الأمين العام إلى أسقف حلب في الرابع من شهر كانون الأول 2008 (1)، إضافة إلى ما يحدّد عناوين الأزمة وأسبابها من وجهة نظرنا، ما يعكس هذه الجرأة مُرفقاً بالاعتذار عن أخطاء الحركيين حيث وُجدت.كما لا نتنكّر لقناعاتنا بأن أيّ خلاف ينشأ بين إثنين قد يكون ظُلماً الحكم على واحد دون الآخر اعتباطاً. فالعلاقة مع الآخر تقتضي، دائماً، معرفته وماهيته (فكراً ونهجاً وتاريخاً وأسلوباً) وأن نسمح له بمعرفتنا لتكون علاقتنا حقّأً قائمة في النور.
لكن حقيقة الأمور أن الأسباب العميقة لأزمة العلاقة مع راعي أبرشية حلب لا تعود إلى من أخطأ أولاً تُجاه الآخر. أن يكون الحركيّين أم الأسقف هو أمر ثانويّ. فالسبب الفعليّ لهذه الأزمة يعود إلى أن الخطأ أو التمايز في الكنيسة، بات، في منظار أسقف حلب، مُبرّراً للإلغاء والعزل والتهميش. هذا في حين تعلّمنا الكنيسة أن كلّ ضعف، في رحاب المحبّة الإنجيلية، هو مدعاة لمزيد من الرعاية والاحتضان والمواكبـة، وكلّ تمايز مواهبي يعكس التعدّد داخل وحدة الجسد الكنسيّ، هو تفعيل لخدمة هذا الجسد وإغناءٌ لها.
إيماننا بأن كلّ عمل ورعاية ومساهمة في حياة الكنيسة إنّما هو سعي الى تقديس الذات وخلاصها ومساعدة للنفوس على التقديس والخلاص. وهذا السعي يفوح عطره من روح المحبة والغفران، لا من أساليب الانتقام والاقتصاص. إن رمَز الأسقف إلى إيقونة المسيح فإنما لأنّ منه يقتضي أن تفوح محبة الله وفضائله. ومحبّة الله  تتجسّد، أولاً، في محبة الجماعة، أبناءً وإخوة. والكنيسة علّمتنا أن من هذا المنشأ يولد تشديدها على الطاعة، من رحم  تشديدها، أولاً  وأساساً، على المحبّة. إن جاز لنا أن نختصر أسباب أزمة أبرشية حلب الحقيقية بسبب واحد نقول إنه افتقادنا محبّة الأسقف ورعايته. ورجاؤنا ألا يكون سبب هذا أن المطران بولس مزج ما بين التكليف الإلهي والتسلّط المستمد من الدنيا.
هذا لا يعني أننا نبغي من مواجهة ما نتعرضّ له في أبرشية حلب  أن ننتصر على الأسقف أو نهزمه لا سمح الله. فيقيننا أن كلّ مسوغات قضيّتنا تبطل إن اشتهينا انتصاراً. وهذا، ليس، لضرورة تلافينا السقوط في دوّامة الحقد وحسب، ولا لكوننا نعي مقدار حاجة العمل الحركيّ في سوريا إلى تبنيّ المؤسسة الكنسية له، بل، لأننا نربأ بأنفسنا أن نطلب الانتصار على الأسقف، لأنّ به شيئاً من الانتصار على الكنيسة التي ما وجدنا إلا فيها ولها خدمةً لقضيّة سيّدها. الغاية الوحيدة لقضيّـتنا في حلب هي أن نُعيد أسقفها إلى صدارته في نفوسنا، ونمحو عن صورته، في ضمائرنا، ما عزلها عن مكانتها لينتصر علينا وننتصر، باحتضانه لنا، على ضعفاتنا.
باختصار، ورغم كلّ الجهود التي بُذلت لتلافي كلّ محطّة من محطّات هذه الأزمة، استمرّ اسقف حلب باستهداف الحركيين فيها حتى بلغ حدّ تخلّيه عن رعايتهم ومواكبتهم وقبولهم، في مواهبهم وتألّقهم وضُعفاتهم، والسعي إلى إلغاء وجودهم الملحوظ، بشكله الفاعل، في الأبرشية منذ ما قبل استلامه الأبرشية بعقود. 
وفي الوقائع نعرض ما يلي:
أولاً، في العام 2000 غداة تسلّمه سدّة الأبرشية، قام وفدٌ من قيادة الحركة في حلب بزيارته للتهنئة. فتمنّى الأسقف على الوفد أن يتولّى هو مسؤولية رئاسة مركز حلب للحركة، وأن يُلغى النظام الداخلي للحركة الخاصّ بالعضوية فيها، ليعمل الكلّ مع الكلّ في الكنيسة بإدارته المُباشرة لعمل الحركة. وأجاب الحركيون على طلب الأسقف بأنهم يرونون دائماً إلى رعايته وبركته وتوجيهاته، وهم ضنينون بموهبتهم الحركية ويتمنّون عليه أن يترفّع عن التفاصيل الإدارية الحركية ليبقى مرجعاً للحركة مُشرفاً على عملها (لا مُديراً لها) ملاحظاً للمواهب في الأبرشية، مُفعّلاً لها حافظاً للأيمان واستقامة التعليم فيها. وقد يكون هذا الموقف المتمايز والرافض لذوبان المواهب في موهبة الأسقف قد ترك بعضاً من أثر في نفس راعي الأبرشية.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share