القدّيسة مكرينا ورفيقاتها الأربع (القرن الرابع الميلاديّ)
هي أخت القدّيس باسيليوس الكبير والقدّيس غريغوريوس النيصصي. وهي البكر في عائلة قوامها عشرة أولاد. أبصرت النور سنة 327م سميت باسم جدّتها مكرينا الكبرى التيتتلمذت للقدّيس غريغوريوس العجائبيّ. اهتمّت أمّها بتنشئتها على الكتاب المقدّس وخصوصًا على سفري الحكمة والأمثال، وكانت مزامير داود ترافقها في كلّ أنشطتها. وكانت رغبتها منذ صباها أن تترهّب في بيت أهلها واهتمّت بحاجات المنزل، وبتنشئة أخوتها. بعدما رقد والدها سنة 341م استلمت إدارة الملكية العائليّة في البنطس وبلاد الكبادوك وأرمينيا.
دعت أمّها لتسلكا بالحياة النسكيّة فأقبلا على القراءة وتأمل الكتب المقدّسة، ولقد كانت نموذج المربية المسيحيّة. وبعد أن كبر الأولد قرّرت والدتها توزيع الميراث وتحوّيل البيت العائلي ّ إلى دير وجعلت الخادمات رفاق في الرهبنة أيضًا ونجحت مكرينا في اقناع أخيها باسيليوس العائد من أثينا بالتخلي عن مهنته كأستاذ في البلاغة ليتقبل الحياة الإنجيليّة. هذا وقد نشأ بقرب دير النساء أخوية للذكور بعهدة شقيق مكرينا الأصغر بطرس، راعي سبسطية. في ديرها عاشت بسلام مع عدد من الأخوات اللواتي انضممن إليها. أصيبت خلال حياتها بورم خبيث فرفضت العناية الطبيّة وأسلمت ذاتها للرب وأمضت الليل بالصلوات ورسمت إشارة الصليب على صدرها فاختفى المرض. يقال أنّها بلغت حدّ اللاهوى وهذا ظهر جليًّا بعد وفاة أخيها نوكراتيوس في حادث صيد، فكانت مثالاً لضبط النفس والايمان بالحياة الأبدية، واستابنت على كبر النفس بإزاء الوفيات التي تعاقبت على الشركة فكانت غير متزعزعة وهذا ما استبانت عليه إثر رقاد أمّها وشقيقها باسيليوسالكبير. وخلال المجاعة التي وقعت في السنة 368م أضحى الدير ملاذًا لكلّ إنسان في الجوار.
زارها أخوه غريغوريوس النيصصي بعد تسع سنوات منذ آخر مرّة رأها فيها، كانت ممدّة على لوح من جراء المرض الذي أصابها، وتحادثت معه مطوّلاً حول طبيعة الانسان ومعنى الخلق والنفس وقيامة الأجساد.
ولمّا دنت ساعة رقادها تضرّعت إلى الربّ قائلة: “أيّها الربّ، أنت من بدّد عنا الخوف من الموت، انت من جعل لأجلنا حدّ الحياة هنا على الأرض مطلعًا للحياة الحقانيّة . أنت من يعطي أجسادنا الراحة لبعض الوقت وتوقظنا من جديد على صوت البوق الأخير. أنت من ترك في الأرض ما جبلته يداه ليعود فيطلب ما أعطاه، أنت من اعتقنا من اللعنة والخطيئة….. أنت من له على الأرض سلطان أن يغفر الخطايا اغفرها لي لأتنفس الصعداء ومتى انفصلت عن هذا الجسد ظهرت أمامك بنفس لا تدانى ولا عيب فيها كالبخور أمامك”.
إثر هذه الكلمات رسمت علامة الصليب على عينيّها وفمها وقلبها. واشتركت بصمت في صلاة المساء وتنهّدت تنهدة كبيرة وأسلمت الروح.