في الخامس عشر من شهر آب تعيِّد الكنيسة لرقاد والدة الإله، والرقاد فيما معناه في قاموسنا يدلّ على الموت، أما بالنسبة للشعب المسيحي فهو بداية حياة أبدية، إذ إنَّ المؤمن لا يفنى “من آمن بي وإن مات فسيحيا” ( يو11: 25).وقد كتب أيضًا العديد من الآباء عن حياة ورُقاد والدة الإله وعلى رأسهم القديس “يوحنا الدمشقي”. كما تعيّد الكنيسة المقدسة في الثامن من شهر أيلول لعيد ميلاد السيدة العذراء. وبالنسبة الينا نحن الأرثوذكس فالسيدة العذراء هي قائمة في المجد الإلهي الذي رأه الملائكة، القديسون والشهداء، ففي عبادتنا لها نرتل “يا من هي أكرم من الشاروبيم وأرفع مجدًا بغير قياسٍ من السارفيم….”، كذلك ضمن صلاة البراكليسي نرتل: “يا من هي أعلى سموًا من السماوات…”، أيتها الطاهرة يا من بِكلمةٍ ولدت الكلمة…”. فبهذا يظهر كمّ الكنيسة تُعطي شأنًا ودورًا مميزًا لوالدة الإله وتحتفظ لها بمحبة خاصة متضرعين إليها في صلواتنا وتضرعاتنا لتشفع بنا عند ابنها ومخلصنا يسوع المسيح. سأتوقف عند ثلاثة حوادث أساسية في حياة والدة الإله أولهم:
1- البشارة كما وردت عند القديس لوقا الإنجيلي: الفتاة كانت عذراء ومخطوبة ليوسف وإذ بالملاك جبرائيل يأتيها في الحلم ليُبشرها بأنها ستُصبح أعظم النساء لأنها ستحمل وتلِد ابنًا وهو مُخلِص العالم وهو يسوع المسيح، وإذ بالعذراء تتعجب كيف يكون هذا وهي لا تعرف رجُلاً، ليكون جواب الملاك “إنَّ الروح القدس يحلُّ عليكِ وقدرة العلي تُظَلِلُكِ” عند ذلك قالت العذراء: “أنا أَمةٌ للرب فليكُن لي حسب قولك”.أيّ إنها قبلت بهذه المُعجزة، وهذه الطاعة المطلقة لله التي علينا أن نتمتع بها ونُمارِسها في حياتنا قولاً وفعلاً.
2- عرس قانا الجليل: العُرس الذي كانت حاضرة فيه مريم والدة الاله وحينما نفَذَتِ الخمر قالت ليسوع “ليس عِندَهم خمر “فقال لها يسوع: ما لي ولكِ يا امرأة” هنا يرى القديس “يوحنا الذهبي الفم” أن هذا القول يتضمن لومًا للسيدة العذراء، فلم ترفُض قوله لكنها آمنت أنه لن يترك المدعوّين إلى العُرس دون نبيذ لهذا قالت للخُدام مهما قال لكم فافعلوه وهنا كانت أُعجوبة تحويل الماء إلى خمر وهنا أيضًا أظهرت العذراء تواضعها.
3- وجودها إلى جانب يوحنا الحبيب الحادثة الأخيرة التي يختم بها الكتاب المقدس عن العذراء والدة الإله كما جاء عند الإنجيلي يوحنا وجودها إلى جانب التلميذ يوحنا الحبيب عند صلب يسوع المسيح عندما قال لها ” يا امرأة هذا ابنك” ثمّ قال للتلميذ “هذه أمك” هنا جعل السيد المسيح مريم العذراء أُمًّا للجميع وخاصةً لكل تلميذ حبيب. فما معنى هذه الأمومة؟ هنا أترك لكل فرد منّا البحث في نفسه عن معنى أمومة والدة الإله وأهميتها في حياتنا والسبل لعيشها لنصل إلى الفرح التي عاشته أمّ ربنا يسوع المسيح في حياتها ورقادها.